نون والقلم

عبدالعزيز النحاس يكتب: وماذا بعد «كورونا»؟!

العالم ما بعد كورونا لن يكون نفس العالم ما قبل كورونا.. أكيد هناك تداعيات سياسية واقتصادية وإنسانية على كثير من الدول بسبب هذه الأزمة، وأكيد ستحدث تغيرات اجتماعية بسبب هذا الحدث الذي شل العالم، وأصاب الجميع بالفزع والارتباك، وأجبر معظم سكان المعمورة على التحصن بمنازلهم، وباتت أهم المدن والعواصم العالمية التي تضج بالحركة والنشاط مدن أشباح وأشبه بمدن أفلام الخيال العلمي.

وباتت هناك أسئلة كثيرة تلح على الأذهان بعد انقشاع الأزمة، وهل سيبقى العالم كما كان في التوحش الإنساني والمالي والاقتصادي، وقائم على العنصرية ولغة القوة.. أم سيعود أكثر إنسانية وتضامناً بعد أن فاجأه فيروس لا يفرق بين الغنى والفقير أو القوى والضعيف، ولا بين أصحاب الديانات والمعتقدات، ولا بين ألوان البشر ويحضرهم أو يخلفهم، الجميع سواسية بعد أن ألغى الفيروس كل الفوارق وكشف الغطاء عن الجميع.

الكل يعيش نفس الحالة، ويشكو من الملل والضيق، ويخشى من المجازفة والخروج.. الكل يفكر ويفكر في كيفية الخروج من هذه الحالة والعودة إلى الحياة الطبيعية، ولكن كيف ومتى والحياة العامة في كل أرجاء الكوكب مشلولة، والمدن مغلقة، والفنادق والمطاعم والحدائق العامة خارج الخدمة، وحتى المطارات معلقة، وجلسات السمر على المقاهي، وكل أماكن الترفيه تمثل خطراً شديداً.

باختصار العالم محبوس داخل منزل، ويعيش في العالم الافتراضي على السوشيال ميديا، أو الفضائيات، وجميعها تسيطر عليها أخبار وتبعات الفيروس، وكل القادة والزعماء يعيشون تحت رحمة كورونا، وبات يهدد مستقبلهم السياسي، وربما الحياتي، فالرئيس الأمريكي ترامب الذي بدا قبل الأزمة مزهواً، ويعلن استعداد بلاده الكامل للفيروس يقف الآن عاجزاً متردداً مع تفاقم الأزمة وزيادة أعداد الوفيات يومياً.

ومن عجائب القدر أن يضرب الفيروس بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا، ويتم عزله بالمستشفى بعد أن سبق أن أصدر تصريحات مثيرة للجدل في بداية الأزمة، ورفض إغلاق المدارس وتباطأ في اتخاذ إجراءات تحد من حركة المواطنين خشية التأثر والركود الاقتصادي، وقال في تصريح صادق للشعب البريطاني- إن الكثير من العائلات ستفقد أحباءها مبكراً- وكان يعتقد أنه بمعزل عن الفيروس.

إذن فيروس لا نراه بالعين المجردة أربك العالم، وتقهقرت أمامه أعتى الجيوش بأسلحتها الفتاكة والذكية والحديثة، وعجزت أمامه دول الترسانات النووية، وبدأت تنهار اقتصادات كبرى، وتعطل الملايين عن العمل، ووصل عدد طالبي معونة البطالة في أمريكا وحدها 6 ملايين نسمة، وتكرر الأمر في دول كثيرة، وكلها أمور تشير بجلاء إلى أن هناك تغييراً سوف يحدث في خريطة العالم الاقتصادية بعد كورونا.

سوف تصعد دول وتنهار أخرى وتصمد دول وتتوارى أخرى.. وبعيداً عن نظرية المؤامرة بين الصين وأمريكا يبدو أن الصين قد ربحت الحرب الاقتصادية، بعد أن بات كل ما يحتاج إليه العالم في هذه الحرب- صنع في الصين- سواء كان بشكل تجارى أو إنساني وأصبحت الصين أكثر قدرة وتطوراً من كل دول العالم في هذا الأمر، وكلها مؤشرات عن تقدم الصين لزعامة العالم اقتصادياً قريباً.

أيضاً سياسياً وبسبب هذه الأزمة تشير كل التوقعات إلى حدوث تغيرات سياسية كبيرة بين كثير من الدول والكتل والاتحادات، ربما يكون أكثرها تعرضاً للتفكك والاختلاف السياسي هو دول الاتحاد الأوروبي بعد أن سمم الفيروس العلاقات فيها، عندما انشغلت كل دولة بذاتها وتركت إيطاليا وإسبانيا تعانيان من الأزمة ومن نقص المستلزمات الطبية، والمؤكد أن الأزمة لها آثار اقتصادية سلبية كبيرة وحجم المساعدات سوف يحدد بشكل قاطع العلاقات مستقبلاً بين دول الاتحاد الأوروبي.. وعلى نفس الغرار سوف تتشكل علاقات سياسية جديدة وتنتهي أخرى بين كثير من دول العالم.

وهنا تجب الإشارة والإشادة بدور مصر الفعال والمحوري وقرارات الرئيس عبدالفتاح السيسي منذ بداية الأزمة والاستعداد لها جيداً على المستوى الداخلي، وأيضاً خارجياً عندما كلف وزيرة الصحة المصرية الدكتورة هالة زايد بزيارة الصين، وتقديم الدعم والمساندة سواء بشكل معنوي أو في صورة بعض المستلزمات الطبية وقت ذروة الفيروس في الصين، لترد الصين بإهداء مصر نسخة من الوثيقة السادسة لمواجهة الفيروس التي تتضمن 6 محاور حتى القضاء على الفيروس.

وتكرر نفس المشهد الإنساني قبل أن يكون سياسياً عندما أصدر الرئيس السيسي توجيهاتها بإرسال طائرتين محملتين بالمساعدات الطبية برفقة وزيرة الصحة إلى إيطاليا، وهو الأمر الذي استقبله الإيطاليون على المستوى الشعبي والرسمي بحفاوة بالغة، وتناولته شتى وسائل الإعلام الإيطالية بالإشادة البالغة بمصر وعظمتها، وهو أمر من المؤكد له مردوده مستقبلاً على العلاقات بين البلدين، وللحديث بقية إن شاء الله.

حمى الله مصر من كل سوء

نائب رئيس الوفد

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
 tF اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى