لا شك فى صعوبة ما نواجهه جميعاً من تحديات ومخاطر تؤكد انعدام فرص التراخى أو التقصير فى مواجهة فيروس يهدد البشرية جميعاً، ونال من دول أكبر منا وأكثر حداثة وتقدماً وتتمتع بإمكانات علمية واقتصادية هائلة، ولديها بنية أساسية كبيرة فى قطاع الصحة تحديداً، ومع هذا عجزت كثير من هذه الدول المتقدمة مثل أوروبا وأمريكا عن المواجهة بسبب سرعة انتشار الفيروس بشكل تعجز أمامه كل المؤسسات الطبية.
وإذا كانت دولة مثل الصين قد استطاعت مواجهة الأزمة.. فإن السبب يرجع الى القرارات الصارمة التى فرضتها الدولة على المواطنين من جانب وانصياع المواطنين من جانب آخر، وهذا هو العلاج الحاسم حتى الآن فى مواجهة الفيروس، كما أكدت منظمة الصحة العالمية وكذلك التجربة الصينية، وعلى عكس ما حدث فى إيطاليا عندما استمر المواطنون فى حالة التراخى ومارسوا حياتهم بشكل طبيعي، مما أدى إلى تحول الفيروس الى وباء يهدد الجميع سواء فى ايطاليا أو غيرها من الدول.
وبنظرة موضوعية لدور الحكومة ومؤسسات الدولة المصرية، نجد أنها سارعت منذ الوهلة الأولى باتخاذ إجراءات وخطوات جادة وعاجلة لمواجهة الأزمة وجاء على رأسها قرار الرئيس عبدالفتاح السيسى تخصيص مائة مليار جنيه للمواجهة، وهو أمر ينم عن جدية الدولة المصرية وحرصها الشديد على حماية مواطنيها.
وتوالت القرارات والإجراءات بدءا من تعطيل الدراسة فى المدارس والجامعات، مرورا بإغلاق المطاعم والمقاهى والأماكن التى تضم تجمعات بشرية مثل دور العبادة وقاعات الأفراح حتى لا يتم انتشار المرض بشكل يصعب السيطرة عليه.. وانتهاء بعمليات التعقيم والتطهير للأماكن الحيوية والشوارع والميادين التى تشهد حركة مثل المترو ووسائل النقل العامة.
وكعادتها تقدمت فرق القوات المسلحة الباسلة الصفوف لمواجهة الفيروس وسقط قائدان شهيدان وهما فى المواجهة مع الفيروس أولهما كان اللواء أركان حرب شفيع عبدالحكيم والثانى اللواء أركان حرب خالد شلتوت بعد إصابتهما بالفيروس خلال عملية المكافحة ليل نهار، بهدف حصار الفيروس فى أضيق نطاق ممكن.
وتحملت أجهزة الإعلام أيضاً مسئوليتها وباتت فى موقع متقدم لمواجهة الأزمة، ونشر الوعى بين عامة المواطنين سواء بالتحذير والتنبيه، أو بإعلان كل القرارات التى تصدر عن الحكومة ومؤسسات الدولة أو منظمة الصحة العالمية والإجراءات التى اتخذتها بعض الدول للحد من انتشار الوباء وطرق الوقاية منه.. كما قام الإعلام المصرى بدور هام وحيوى فى مواجهة كل الشائعات وحملات التشكيك التى حاول البعض نشرها فى صفوف الشعب المصري، ومؤخراً صدر قرار حذر التجول ليلاً وجميعها إجراءات الهدف منها محاصرة فيروس كورونا.
برغم كل ما تقدم يبقى المواطن أو الفرد هو محور النجاح لكل هذه الجهود.. أو لا قدر الله فشلها، وتحول الأمر إلى كارثة، لأن الفيروس فى النهاية عدو خفى ويتوقف انحصاره والقضاء عليه، أو انتشاره وتحوله إلى وباء على السلوك البشري، ومدى جدية كل فرد منا فى تنفيذ القرارات والتوجيهات والإرشادات طواعية وبكل صراحة قبل أن تكون إلزامية أو بقوة القانون.
وقد عهدنا فى كل الشدائد والأزمات صلابة ووحدة الشعب المصرى فى مواجهة كل المخاطر، وجميعنا الآن فى اختبار صعب تستدعى وقفة مع الذات لحماية كل منا لنفسه وأسرته وأهله وأيضاً حماية وطن ومقدراته بعد أن قامت الدولة بمسئوليتها فى اتجاهات عدة، ولكن المؤسف أن البعض ما زال يعبث بحياته وحياة أهله وحياة الآخرين، وتحديداً فى معظم المناطق الشعبية التى لا تزال فيها تجمعات تشكل خطراً شديداً، إضافة الى وسائل المواصلات والمقاهى التى لا تزال مكتظة بالبشر، وتشكل بؤرا خصبة لانتشار الفيروس، ونحن فى غنى عن الشرح وضرب الأمثلة التى أصبح الجميع يعلمها من خلال شتى وسائل الإعلام والسوشيال ميديا، والأسوأ أن البعض يتناقلها وينصح بها الآخرين ولا يلتزم بها.
علينا أن ندرك أننا فى حرب حقيقية، وأن كل شخص منا ومن أسرنا مستهدف ولا أحد فى مأمن إلا بسلوكه والتزامه بكل الضوابط والقرارات والإرشادات الصحية.. وأننا أمام لحظة تستوجب المشاركة المجتمعية بكل معانيها وقواعدها التى كانت سببا فى نجاح دول وفشل أخري، وكلنا يعلم أن المشاركة المجتمعية فى أبسط معانيها تعنى الوعى الاجتماعى والتضافر والتلاحم الشعبى فى مواجهة الأزمات والمخاطر بحيث يدرك الناس حل مشاكلهم بأنفسهم وتعاونهم.
وإذا كنا نعيش منذ فترة عصر العولمة الذى أزال الفوارق الزمنية والمكانية بين كل دول العالم، وجعل من العالم قرية صغيرة تشاهد وتتابع كل أحداثه من على شاشة صغيرة فى يدك، سوف ندرك أن الفارق بين الدول المتحضرة وغيرها من الدول الأخرى يرجع إلى الوعى المجتمعى والثقافة المجتمعية التى باتت أساس تحضر وحداثة الدول باعتبارها إحدى الركائز الأساسية التى تقوم عليها التنمية وأهم الوسائل الفعالة لتحقيق التغيير.
حمى الله مصر من كل سوء.
نائب رئيس الوفد
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t - F اشترك في حسابنا على فيسبوك وتويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية