في كل مرة يسود فيها الطقس السيئ مصر، ورغم علمنا به إلا أننا نفشل كالعادة في مواجهته.. وتغرق المدن في شبر ميه وتتحول القرى إلى برك مياه وبحيرات من الطين التي يسمونها «روبة» وسقوط ثان للمحليات خلال شهرين.
في كل مرة نكتب عن فشل الأجهزة المحلية وانعدام الصيانة وانهيار البني التحتية والعجز عن تقليل خطر هذا الطقس رغم تحذيرات هيئة الأرصاد الجوية قبلها بأيام، وتحرك الحكومة علي مستوي مجلس الوزراء الذي أصدر سلسلة من الإرشادات للسادة المحافظين، وكان رد هؤلاء بأن كل شيء تمام وعندما تهطل الأمطار وتهب الرياح نري ونشاهد كوارث تحدث يروح ضحيتها البشر والمنشآت الخدمية ونعيش أياماً بلا خدمات.
ما شهدته مصر أمس الخميس واليوم الجمعة نموذجًا لحالة الانفصال بين الوزراء وبين المسئولين الأدنى، فما زال الموظف يتحكم في اتخاذ القرار دون أي اعتبار لقرارات مجلس الوزراء، فالموظف لا يهمه إلا أن يرتب أوراقه، وأن يجهز مبررات الفشل قبل أن يتحرك لاحتواء أي أزمة وهي نظرية تحكم مصر منذ سنوات طويلة وفشلت كل الحكومات المتتالية في تغييرها.
فرؤساء الأحياء أو رؤساء المدن لم يتحركوا قبل هطول الأمطار بالقيام بجولات في أحيائهم والتأكد من أن أغطية بلاعات الصرف الصحي تسمح بمرور المياه إلى داخلها، فالمسؤول لم يمر ليتأكد من أن الشوارع الخلفية جاهزة لاستقبال المياه من حيث الرصف والنظافة، لكن هؤلاء جلسوا في مكاتبهم واعتمدوا على تقارير الموظفين التي قالت له كل شيء تمام، وهو بالتالي رفع الأمر إلى المحافظ الذي رفع تقاريره إلى مجلس الوزراء.
هذه الموجة فضحت الكل وكشفت أن المحليات لازالت هي نقطة الضعف في الدولة المصرية التي يجب التعامل معها بصورة أكثر جدية وقوة، يجب أن يكون هناك محاسبة لكل مسئول قدم تقريرًا قال فيه: إنه مستعد لمواجهة هذه الأمطار ثم نجد أن الكوارث وقعت في منطقته، ولا تتم محاسبته بعد أن تنتهي الموجة وتقوم الشمس بتجفيف بحيرات المياه الطينية في شوارع الناس الغلابة وتعود ريمة لعادتها القديمة.
والكارثة عندما تقع لا نجد من يحاسب المسؤول لأن القانون يحميه وأكبر تهمة توجه له الإهمال رغم أن ضحايا هذا الإهمال مقتل وإصابة عدد من البشر أو انهيار مبان أو أبراج كهرباء أو غرق مبان وهي جرائم لو تسبب فيها مواطن عادي لحكم عليه بالإعدام.
والشيء اللافت للنظر أن جميع المنشآت وعلي رأسها أبراج الكهرباء مصممة علي طريقة «خيال المآتة» تسقط مع الهزة ولا يتم تصميمها على تحمل سرعة ريح معنية، ففي كل بلاد العالم يتم تصميم هذه الأبراج على تحمل سرعة ريح تصل إلى 200 كيلومتر في الساعة كما يتم عمل صيانة سنوية لها حتى تكون مستعدة لتحمل سرعة الريح والأمطار المصاحبة لها.
فخلال هذا الشتاء تعرضت البلاد إلى اختبارين من اختبارات الطقس السيئ التي تتعرض لها مصر منذ سنوات بصورة متتالية وفشلت المحليات فيهما.
يجب أن نعيد النظر في كل السياسات والأكواد الخاصة بالبناء والرصف وغيرها من الخدمات حتى نحول هذه الأمطار والرياح من شيء سيئ إلى شيء يحمل الخير معه ولا نقبل أي خسائر كبرى مثلما حدث فتكلفة إصلاح ما أفسدته الموجة في اليومين الماضيين نحن أحوج إليه في إقامة مشروعات جديدة.
ونتمنى أن نسمع عن محاسبة كل المسؤولين الذين قصروا في أداء عملهم في المحليات وأن أجد مسؤولا واحدا يهتم بالشوارع الخلفية في الأحياء الشعبية فهي أولى بالرعاية من شوارع الأغنياء أو التي يمر بها كبار المسؤولين، فهذه الموجة لن تكون الأخيرة ولكنها ستتكرر مع كل شتاء لذا نحتاج إلى خطة إدارة أزمات حقيقية يقوم بتنفيذها من تدرب عليها بالفعل، نريد ثورة علي عقلية الموظف الروتيني.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك وتويتر لمتابعةأهم الأخبارالعربيةوالدولية