يمكن أن تظهر في بعض الأحيان استراتيجيات التنمية المعاصرة بشكل عام وشامل أو غير متصلة وبلغة غامضة للغاية. يتم إلقاء كلمة «أخضر أو خضراء» في مقترحات المشاريع القائمة على الاستدامة والمشروعات المجتمعية لدرجة أنها قد تبدأ في الافتقار إلى أي معنى ملموس.
وبعد قضاء أسبوعين في الاجتماعات مع التعاونيات والمزارعين ورؤية أمثلة ملموسة لهذه الفكرة الواسعة في العمل يتضح أن المغاربة يتبنون التغييرات في القطاع الزراعي ويستثمرون في مجتمعاتهم لتعزيز نظام قيم مشتركة يركز على الأشجار والنباتات الطبية المحلية والاستدامة البيئية والنمو الاقتصادي والحيوية الحقيقية. إنهم يعيدون تعريف واستصلاح ما يعني في الواقع أن يكون أخضر.
قام رجال تعاونية البساط الأخضر في بوعرفة بقيادة الرئيس السيد ياسين في منطقة صغيرة مؤقتة خلف مبنى البركة المحلي بإنشاء مشتل نباتي رائع ينتج الأشجار والأعشاب ونباتات الزينة باستخدام البذور المجمعة محليًا و شتلات النباتات. ومع عدم وجود تدريب رسمي وموارد أساسية للغاية، يضاعف هؤلاء الرجال مخزونهم من النباتات لبيعها في المجتمع المحلي وللاستخدام في منشآت المناظر الطبيعية. إنهم يتحدثون بفخر عما أنجزوه بالفعل وهم يتألقون بحماس عندما يشرحون المشروع الذي هم على صدد الشروع فيه.
منحت الحكومة التعاونية قطعة أرض صغيرة خارج مركز بوعرفة مباشرة لتوسيع مشتلها النباتي إلى أعمال تجارية مناسبة ومع وجود دفيئة لتكاثر النباتات والأشجار ومساحة للبيع بالتجزئة لاستقبال العملاء. لقد أطلقوا على هذا المشروع الجديد والموسع «الأيادي الخضراء» (Green Hands) لأن الهدف هو إلهام مجتمعهم للتواصل مع النباتات وتجربة النمو لأنفسهم وتجميل المناظر الطبيعية الجماعية.
يعتمد نموذج الأعمال على الشمولية وستوفر الدفيئة مجموعة واسعة من الخيارات لعملائها، من الأعشاب الصغيرة الأساسية، إلى شجيرات الورد، إلى أشجار الفاكهة المنتجة. ومصدر جميع النباتات والأشجار هي منطقة بوعرفة ويتم تكييفها بشكل طبيعي مع المناخ وسوف تزدهر. وفي النهاية ، ترغب التعاونية في تقديم محاضرات وورش عمل حول رعاية النباتات واستخداماتها. لقد طور الرجال مهاراتهم ومستعدون للخروج من مساحاتهم المتنامية إلى بيئة تجارية مهنية ومثمرة. من الواضح أنهم يجدون هذا العمل مثيرًا للاهتمام ومجزيا ويرغبون في جعل النباتات النامية والإرضاء الذي يرافقها في متناول الجميع. وبوصفهم الأيدي الخضراء، فإنهم يشكلون قيم مجتمعهم ويعطون الأولوية للنباتات ويمكّنون الناس من تعزيز التواصل مع العالم الطبيعي.
تعد تعاونية نساء تيززوا في فڭيڭ، وهي بلدة صغيرة على الحدود الجزائرية المغربية، مثالاً واضحًا على الجهود المجتمعية التي تُظهر فكرة الخضرة والاستدامة في الريف المغربي. هذه الجمعية التعاونية التي تعدّ خمسة عشر عضوا وتعتبر رائدة في المنطقة تربى النحل لأكثر من عقد من الزمان. عندما بدأت خلايا النحل تتضاءل بشكل كبير بسبب نقص الغذاء والمبيدات الحشرية التي يستخدمها المزارعون المحليون، اضطروا إلى نقل النحل، الأمر الذي كان غير فعال ومكلف. وعلى الرغم من أنهم ما زالوا قادرين على إنتاج عسل عالي الجودة، إلا أن المشروع لم يكن مثاليًا.
كل هذا تغيّر عندما تبرعت الحكومة المحلية بقطعة أرض للتعاونية مساحتها أربعة هكتارات في منطقة غير متطورة من فڭيڭ لاستخدامها مجانًا طالما ترغب التعاونية في ذلك. الأرض مفتوحة حاليًا وجرداء تمامًا بتربة رملية وطريق الوصول إليها وعرة ومعرّضة لأشعة الشمس وتقريبا ً خالية من النباتات الطبيعية. ومع ذلك ، فإن نساء تعاونية تيززوا تعتبرها فرصة عظيمة لجعل هذا الموقع أخضر ومتنوّع البيئة يتمحور حول زراعة النخيل وتنويع اقتصاد فڭيڭ.
عازمات على تغيير المناظر الطبيعية والميول الزراعية في فڭيڭ، ستنشئ النساء على هذه الأرض مشتل للنباتات الطبية ليكون بمثابة مصدر غذائي آمن وكبير لنحلهن ولخلق إيرادات في موسم الحصاد ومعالجة المنتجات الزراعية.
وحيث أن هؤلاء النسوة وُلدن وترعرعن في مدينة فڭيڭ واخترن البقاء فيها بعد أن هاجر كثيرون آخرون إلى مدن أكبر، فإن هؤلاء النسوة مرتبطات بعمق في المجتمع ويلتزمن بجعل هذا المشروع ناجحًا ومنتجًا. وعلى الرغم من أنهن ما زلن في مراحل التخطيط، فإن لديهن رؤى لزيادة إنتاج العسل ومنشأة لتجفيف الأعشاب ومناسبات تعليمية ومنتجات ذات قيمة مضافة للتصدير إلى جميع أنحاء المغرب، وربما حتى للخارج. وجمعية تيززوا التعاونية ليست قلقة من النطاق الواسع للمشروع الذي سيقوم بتحول ٍ كبير للأرض وعندهنّ الإيمان بالموارد في فڭيڭ. إنهن يرين المساحة الفارغة كرقعة لإنشاء مواطن بيئية للحيوانات والنباتات وتعزيز الحياة وخلق إيرادات وزيادة المساحات الخضراء في واحة فڭيڭ النائية ، ولكن الجميلة والفريدة والمفعمة بالحيوية.
وبالاتجاه غربا ً من هذين المجتمعين المحليين ودخولا ً في الريف الخصب والتلال المعتدلة الانحدار وحقول القمح والفاصوليا الواسعة وصلنا مدينة فاس حيث مشتل الأشجار عند مركز حماية الطفل . وفي حين أن المشتل يبلغ من العمر ثلاث سنوات فقط، إلا انه مشروع يبدو ناجحا من البداية. ومن خلال البرمجة مع مؤسسة الأطلس الكبير، يقوم المشتل بتوزيع وتربية الأشجار الصغيرة السنّ التي يتم توزيعها بعد ذلك على المجتمعات القروية حيث الطلب على الأشجار مرتفعًا ولكن المهارات والموارد التقنية اللازمة لبدء رعاية هذه الأشجار محدودة. يوجد في المشتل آلاف وآلاف من أشجار التين والرمان والزيتون واللوز الصغيرة. ومع اقتراب ثلاثة دفيئات زراعية من الاكتمال ستتجه عن قريب المزيد من الأشجار إلى المجتمعات المحلية. ويعتبر المشتل في فاس نموذجا ً عالي الأداء لكيفية تحقيق الأهداف النبيلة للخطة الخضراء. وعند التجوال حول أرض المشتل ورؤية صفوف لا حصر لها نظيفة وفعالة من أشجار الفاكهة الشابة التي تحظى بعناية جيدة ، تبدو رؤية المليار شتلة التي تشق طريقها إلى المجتمعات أكثر قابلية للتحقيق.
ومن خلال العمل التطوعي مع مشروع «من مزارع إلى مزارع» (Farmer-to-Farmer) ومقابلة الأفراد المتفانين والمبادرين المسؤولين عن هذه المشاريع الإبداعية في المغرب ، فإن فرضية تطوير «الخطة الخضراء» (GREEN ) تتخذ الآن بالنسبة لي وزنا ً أكبر ووثوقا ً أكبر. أصبح لديّ الآن فهما ً أكبر وبإمكاني التعرّف على التغييرات أو التحولات في التخطيط واختيار المحاصيل واتخاذ القرارات.
ومن خلال هذه المهمة والتعلم عن المشاريع ووضع الاستراتيجيات حول مخططات المشاتل ومناقشة إدارة الاحتباس الحراري والعصف الذهني حول وضع الميزانية، أصبح لدي الآن تعريف عملي جديد لما هي الخطة الخضراء بالفعل. المزارعون المصممون الذين يعملون بجد والملتزمون في بوعرفة و فڭيڭ وفاس قد أخرجوا المصطلح من التجريد. فمن خلال نشاطاتهم يكشفون بأن الخطة الخضراء للزراعة في المغرب تمارس استخدامًا واعٍ للأراضي وتخلق التنوع البيولوجي والتخطيط للمستقبل وتكرّم الجمال وتعزز الاتصالات والاندماج والشعور بالفخر في المجتمع المحلي وبناء الأعمال التجارية الصغيرة وتحويل المساحات الخالية إلى مساحات إنتاجية وتبادل المهارات والمعرفة واستخدام النباتات كدواء والتعرف على إيقاعات الطبيعة والتعاون والعمل بجدّ في التربة والأعشاب العطرية في الإزهار وأشجار الفاكهة القوية والنحل الطنان.
متطوعة في مشروع من مزارع إلى مزارع في مؤسسة الأطلس الكبير
t - F اشترك في حسابنا على فيسبوك وتويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية