نون والقلم

كمال بالهادي يكتب: ما هي جريمة سوريا حتّى يقاطعها العرب؟؟

أردوغان ونتنياهو وترامب وجوه واحدة لذات العُملة، وهي عملة المتصهينيين الذين لا همّ لهم سوى تدمير ما بقي من الدول العربية ذات السيادة و الكرامة.

أخبار ذات صلة

ما يقوم به أردوغان الآن في سوريا، هو نفسه ما تقوم به سلطات الاحتلال الصهيونية في كل الأراضي العربية المحتلة وهو ذاته ما تقوم به الولايات المتحدة في أكثر من دولة عربيّة. إنه الاحتلال الغاشم في أسوأ صوره، ولكن الأكثر سوءا من هذا الاحتلال هو إصرار العرب على استدامة مقاطعة سوريا..

في الثاني عشر من شهر نوفمبر من سنة 2011، تقدمت قطر بمقترح وهي كانت تقود المحور الإخواني الإرهابي، لتعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، ونجحت في الضغط على كلّ الدول العربية و مرّرت قرارها بتصويت 18 دولة على المشروع، بطريقة تذكرنا باجتماع الدول العربية في سنة 1990، الذي شرع الغزو الأمريكي للعراق بعد دخوله الكويت.

والغريب في الأمر أن المحرض على هذا القرار هو حمد بن جاسم وزير خارجية قطر سيء الصيت الذي اعترف فيما بعد بطريقة استفزازية و موجبة للمتابعة القانونية الدولية، أن سوريا كانت بين أيديهم، ولكنّهم (أي الحلف المدمّر لسوريا)، قد «تهاوشوا على الصيدة» بعبارة الوزير القطري.

و إذا كانت قطر هي صاحبة المبادرة في طرد سوريا من الجامعة العربية، بحجة دعمها لديمقراطية «الربيع العربي»، فهل علينا أن نصدّق أن قطر و بقية دول الخليج هي دول ديمقراطية حتّى يجوز لها نشر الديمقراطية في سوريا، بوساطة الدواعش و مشتقاتها؟ ثم اي جرم ارتكبته سوريا في حق بقية الدول العربية، حتى ينساقوا وراء المشروع القطري الإخواني والمعروفة دوافعه التدميرية والتخريبية للمنطقة؟ هل اعتدت سوريا قبل 2011 على سيادة دولة عربية أخرى أو تدخلت في شؤونها الداخليّة؟ وهل كانت سوريا يوما خارج الإجماع العربي على ضعفه، في ما يتعلّق بالقضايا العربيّة؟ ستكون الإجابات المتوقّعة من كل زعماء الدول العربية بما في ذلك من شاركوا في تدميرها أن سوريا و نظامها، كانت تقف دوما إلى جانب كل القضايا العربيّة، و لو افترضنا أن النظام السوري هو نظام ديكتاتوري، فهل أن بقية الدول العربية هي واحات للديمقراطية؟ وهل أن بقية الأنظمة هي أنظمة اقل فسادا من النظام السوري؟ لم ترتكب سوريا أي جريمة في حق الدول العربيّة، بل هي دولة بحثت عن مصالحها مع المحور الذي ترى أنه محور مقاوم، مثلما بحث الآخرون عن التحالف سرا وعلنا مع الكيان الصهيوني، اعتقادا منهم أنه يضمن لهم استمرارية البقاء و غض الطرف عن جرائمهم في حق مواطنيهم. إن كان لسوريا من جريمة، فهي جريمة «الأنفة و العزّة و الكبرياء» و جريمة التصريح المباشر بدعم محور المقاومة للكيان الصهيوني.

العدوان التركي على سوريا، أرضا وشعبا وحكومة، لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال، ولا يمكن أيضا قبول الصمت العربي المطبق تجاه ما يحدث، سوى أنه صمت تآمري.

وإن كانت قطر تعلن بوضوح وقوفها مع تركيا و تأييدها لعملية «درع ربيع الدم»، و تسارع إلى أردوغان لمساندته في تقتيل أبناء الشعب السوري و أبناء الجيش السوري من حماة الديار، و إذا كانت الدوحة تعلن الحداد على الجنود الأتراك الذين دعسهم الجيش العربي السوري في أرض سوريا، فإن بقيّة الدول العربية يبدو صمتها مريبا إن لم نقل صمتا. فأين مصر مما يحدث في سوريا؟ ولم كلّ هذا الانسحاب من الملف السوري، على الأقل في واجهته الدبلوماسيّة؟ وكيف تتخلف مصر عن نجدة سوريا و هي التي لا زالت تتمسك بعلم دولة الوحدة « الجمهورية العربية المتحدة»، فهل إن جامعة الدول العربية عاجزة عجزا تاما عن إصدار بيان هزيل للتنديد بالعدوان التركي على سوريا؟

ولنذكّر هنا أن العرب تجمعهم اتفاقية الدفاع المشترك التي تعود إلى سنة 1950، كما أن العرب لديهم مجلس دفاع مشترك ومقره القاهرة، و مهمته الدفاع عن أي دولة عربية تتعرض لعدوان، ولكن يبدو أنه مجرّد مجلس وهمي، و لا فاعلية له على الأرض.

الخلاف العربي بدأ بالبروز العلني حل سوريا، فالجزائر التي من المقرر أن تستضيف القمة العربية على أرضها نهاية الشهر الجاري، قالت بوضوح إنه لا قمة دون عودة سوريا، فيما عكس أحمد أبو الغيط أمين عام جامعة الدول العربية حالة الارتباك العربي تجاه الملف السوري، حيث أعاد ما كان قاله قبل سنة من الآن حول عودة سوريا إلى الجامعة، «إن هناك اتجاهًا لإعادة سوريا إلى مقعدها في الجامعة، لكن الأمر يحتاج إلى حسابات كثيرة سواء من الأعضاء أو من دمشق نفسها». ولكنه حسم الموقف بأن الدول العربية لن تقبل الموقف الجزائري، بضرورة عودة سوريا خلال قمة الجزائر، بقوله «إن الجزائر تفكر في استعادة سوريا لمقعدها، سيجري الجزائريون اتصالاتهم، لكن ربما تكون عودة سوريا حاليًا غير مناسبة».

فلماذا يرفض العرب أو بعض العرب عودة سوريا؟ الأمر هنا يعود إلى أن الدول العربية لا تمتلك قرارها، وهي تنتظر الضوء الأخضر الذي سيأتيها من تل أبيب ومن واشنطن. وهو ضوء لن يأتي لا آجلا و لا عاجلا. و التقصي من قرار عودة سوريا، يعود أيضا إلى رغبة هذه الدول في عدم تحمل تبعات أي موقف مما يجري في الأرض السورية المستباحة. فلو عادت دمشق سيكون على العرب إدانة العدوان التركي، وسيكون عليهم تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك، كما سيكون عليهم رفض الوجود الأجنبي في سوريا، وهذه كلها استحقاقات لا تتحملها أنظمة، يعتمد بقاؤها على مدى رضاء واشنطن وتل أبيب.

لكن ستظل الجزائر تغرد خارج السرب العربي، فرئيسها عبد المجيد تبون طالب بعودة سوريا إلى الجامعة العربية معتبرا إياها دولة وفية لمبادئها، ودولة مؤسسة للجامعة العربيّة.

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
tF اشترك في حسابنا على فيسبوك وتويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى