قبل أسابيع اقتحم الاحتباس الحراري قلعة الفن التشكيلي بصورة غير مسبوقة ليلقي الضوء علي ظاهرة ارتفاع درجة حرارة الأرض وزيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون في الجو، وهي الظاهرة التي تفاقمت منذ بداية القرن الحادي والعشرين وتهدد الإنسان والنبات والحيوان.
كان وقع الظاهرة علي الفنانين اقوي من أن يمر مرور الكرام دون أن يستخدموا مهاراتهم في التعبير الفني فتنازلت الفرشاة والألوان عن رومانسياتها لتتحول إلى سلاح ناعم يصرخ في صمت ويناجي بغضب إذ كانت الاستجابة مباشرة للنداء من الفنانين فتم اختيار 40 عملا فنيا مختلفا في الفكر ومتنوعا في التقنيات، لكن بوحدة في الهدف، وتبنت بلدية اتربيك وهي أحد وأهم أحياء بروكسل والتي تحتوي أبنية الاتحاد الأوروبي فكرة إقامة أول معرض يستعرض ملحمة كوكب الأرض داخل القاعة الأنيقة في البلدية وافتتح في السادس من فبراير الماضي، بحضور شخصيات رسمية وبعض أعضاء الجالية المصرية وجمهور غفير من البلچيكيين بينهم أعضاء في البرلمان الأوروبي.
وتنوعت أعمال الفنانين المشاركة بالمعرض إذ تبنى بعضهم فكرة التركيز علي الأسباب، بينما فضل الآخرون التعبير عن النتائج كما اختار آخرون إظهار كلاهما في لوحته، حيث ظهرت المعالجات المتباينة في الأساليب الفنية التي تتنقل مابين الواقعية والتعبيرية حتى السريالية والتجريدية وأحيانا تتجه نحو الرومانسية، بل إن البعض استخدم مشاهد من بعض الكوارث التي واكبت تواجد المعرض كالحرائق والتسونامي في حين اتجه آخرون نحو الحلم بالجنة علي الأرض.
لقد قرأنا كثيرا عن طوفان الاجتماعات والمؤتمرات والاتفاقيات بين صناع القرار من الدول الكبرى ( بروتوكول كيوتو، اتفاقية مراكش، مخطط بالي، مؤتمر بونزان، اتفاقية كوبنهاجن، مؤتمر الأمم المتحدة، ثم اتفاقية باريس وغيرها ورغم ذلك لم يصل العالم بعد إلى أي نتيجة بالحوار السياسي وكان تصاعد المشكلة يتحرك باستمرار نحو الأعلى ولا حراك أو تقدم في طرق الحلول.
وكما يقال ( ما تفسده السياسة تصلحه الفنون )، كان الفنان في الصف يحاول أن يلهم وينقل رسالته علها تجد صدي لدي السياسيين وصناع القرار كل هذا بوازع من الضمير الحي.
مع افتتاح المعرض كانت عيوننا تتابع عن كثب نظرات الزوار، وكانت حاسة السمع حاضرة بشكل قوي لالتقاط الآراء لكي تتم عملية استنتاج وافية لمدى وصول ما أردنا جميعا تحقيقه من خلال هذه الفعالية، وهنا اسرد موجزا لأهم التحليلات حول بعض اللوحات التي توقف أمامها كثير من الزوار.
أمام لوحتي توقف زائر بلجيكي ليشرح لرفيقته الألمانية مدلولات اللوحة مشيرا إلى أنها نفذت بالأسلوب السريالي الرومانسي، حيث توجد الأرض في منتصف اللوحة وجزء منها يتداخل العنصر الإنساني بينه وبين الخلفية التي تحتوي الأرض والسماء، بينما النصف الأسفل للوحة يغلب عليه اللون الأخضر كتعبير عن الخصوبة مع شجرة تعاني من الجفاف بها ثمرة تغلبت علي هذا الجفاف تعبر عن الأمل، كما توجد رموز لدول من المشرق والعالم الغربي في قاع اللوحة سنلاحظ كم من الرموز داخل الكرة منها الطاووس الجميل ونظيره المتفحم، دخان المفاعلات الذرية، التجارب النووية، التصحر، ذوبان الجليد، والثروات الطبيعية التي تخشي كل هذا مع مشاهد بما يعج للتلوث الصناعي وثان أكسيد الكربون والسخونة.
أما لوحة الفنانة المصرية سمر كامل فقد استخدمت فيها رقعة الشطرنج كأرضية تعبيرا عن التحدي مستخدمة اللونين الأسود والأبيض لتؤكد علي التضاد كما وضعت الأرض المشتعلة علي قطعة من قطع الشطرنج وكأنها تريد أن تقول أنها مسألة (كش ملك أي حياة أو موت ) كما نجد كفين في وضع اندهاش أو استرخاء وهو ما يعبر عن شيء من عدم الاكتراث.
وفي لوحتها لجأت الفنانة المصرية چيهان فوزي إلى استخدام جزء من خريطة العالم ممزقة وأطرافها محترقة ظهر عليها تباين لوني مابين الأزرق(بحار ) والأخضر(مزارع)، والأصفر (صحراء) في ألوان الطبيعة الممزوجة بشيء من الحيرة وكأنها تتساءل: مالمصير؟ ونلاحظ تواجد عين كأنها كانت تبكي منذ زمن جعل اللوحة تشي بالقلق مع تواجد الفراشات علي أغلب مسطح اللوحة وهي المخلوقات شديدة الرهافة والتي تعد من أول المتضررين من مخاطر الاحتباس الحراري والتغير المناخي.
رئيس منظمة فنانون بلا حدود – بلجيكا
t - F اشترك في حسابنا على فيسبوك وتويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية