نون والقلم

طارق تهامي يكتب: مئوية جديدة لحزب الوفد(3)

قلنا في الأسبوع الماضي، إن سعد زغلول هو صاحب المقولة الشهيرة عندما أصبح حاكماً منتخباً: «الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة»، فكانت العبارة أسلوب عمل التزمت به حكومات الوفد المختلفة التي لم تعش لها وزارة.. فكان عمر كل حكومات هذا الحزب الكبير خلال الفترة من 1923 حتى 1951 ست سنوات ونصف تقريباً.

كان الوفد هو حزب الأغلبية.. وكان الملك يطيح بحكوماته إما بالتزوير أو بالانقلابات الدستورية.. وتمر السنون والأجيال، خرج الملك من السلطة، وغادر الحياة، وجاءت أنظمة، وسقطت غيرها، ولكن بقى الوفد، وعاشت عبارته لما يقرب من مائة عام..إذن ليس غريباً أن يتجاوز الحزب نفسه قرن من الزمان، ويخطو نحو المائة الثانية بكل ثبات، بفضل تأسيس قوى وزعيم لا يُضاهى اسمه سعد زغلول.

ولكن هل كان سعد الذي بدأ العمل السياسي شاباً مهتماً بالقضية الوطنية.. هل كان مجرد زعيم صدفة كما أظهرته كتابات صحف الأنظمة المتعاقبة ووسائل إعلامها؟.. قطعاً «لا».. فلم يكن سعد إلا كما وصفه سعد فخري عبد النور في كتابه «الوفد يقود الحركة الوطنية». فسعد كما قال عنه عبد النور لم يكن قبل سنة 1919 من المغمورين بل كان رجلاً مرموقاً يشار إليه بالبنان، فقد ولد في بيت كريم حسباً ونسباً من بيوتات الغربية حتى ما غدا شاباً جاور في الأزهر الشريف سنة 1871 وهى السنة التي شرع فيها الشيخ محمد العباسي المهدي في تجديده وتنظيمه وتتلمذ على أيدي نخبة رائدة من الأئمة الأجلاء مثل الشيخ جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده من أصحاب الدعوة الوطنية. وكان زملاؤه ممن برزوا فيما بعد عبد الكريم سلمان ومحمد اللقاني والشيخ أبو خطوة.

وبعد أن أنهى تعليمه الديني استعان به أستاذه الشيخ محمد عبده سنة 1880 في تحرير الوقائع المصرية، وهى الصحيفة الرسمية التي تعبر عن الحكومة ولكن سعد أظهر من الصفات في الكتابة والتحرير ما جعلها خلال أشهر معدودة من صحف الرأي التي تنطق بلسان الشعب. وبعد أن هاجت البلاد وماجت فيما صاحب «الثورة العرابية» من أحداث عام 1882 تم إلقاء سعد في السجن وهو لا يزال شاباً صغيراً بتهمة التآمر على الاحتلال البريطانى ثم أفرج عنه بعدها بعام ليقبل على مهنة المحاماة، وهو لا يحمل في ذلك الوقت مؤهلاً في القانون إلا أن فصاحته ساعدته على النجاح والتقدم ليحتل مكانة مرموقة وسط المحامين المشهورين.. أو كما قال عنه الأديب الكبير عباس محمود العقاد إن توكيل سعد زغلول في قضية هو ضمان لكسبها وخذلانه لخصومه فيها. وقد اشتهر سعد بين الناس بالصدق والأمانة والاستقامة.

وأنه لا يسعى بين المتقاضين بالخصومة والاقتتال على نيل الحقوق بل سعيه بينهم للصلح وكان شعاره «نريد أن تقوم المحبة بين الناس مقام القانون».. لاحظ أوجه الشبه بينه وبين الزعيم غاندي.. فقد كان كلاهما يعمل بالمحاماة.. ويدعو للتسامح.. وتحولا إلى الدفاع عن القضية الوطنية.. بل إن سعد زغلول جنى من مهنته مالاً وفيراً اقتنى به أطياناً زراعية إلا أنه باعها جميعها فيما بعد للإنفاق على الحركة الوطنية فمات وهو لا يملك شيئاً.. مثله مثل كل الزعماء المخلصين الذين خاضوا غمار العمل الوطني أغنياء وتركوها فقراء بدءاً من سعد وغاندي ومروراً بمصطفي النحاس.

ولكن هناك كلمة لا بد منها حتى لا تختلط الأمور، فالثورة ليست هتافات، بل هي أسلوب عمل ونضال وطني مستمر، وقيمة ثورة 1919 ليست في مظاهراتها العارمة، وليست في الضغوط السياسية على الإنجليز، أو قدرتها على تقليم أظافر الملك، في مواجهة الشعب، ولكن قيمتها الحقيقية، هي أن الأمة أصبحت مصدراً للسلطات، بصرف النظر عن انتهاك السلطة لهذا المفهوم، عبر استخدامها للقوة والبطش، ولكن المصريين كانوا يواجهون البطش، بالمواجهة السياسية والدستورية، وكانوا يعرفون أنهم يتعرضون للسرقة، وكانوا يقولون للحاكم قف مكانك.. نحن هنا! وكانت الثورة هي قوة الدفع التي جعلت الوطن يتوحد خلف زعيمه في كل المعارك.

‏tarektohamy@alwafd.org

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
tF اشترك في حسابنا على فيسبوك وتويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى