نون والقلم

فريهان طايع تكتب: جريمة في حق الإنسانية

الجريمة المرتكبة في حق الشعوب لا تكمن في قتلهم بالسلاح و ذبحهم فقط، سوف تسألونني هل يوجد أكثر من هذا إجرام؟ سأجيبكم بكل تأكيد أن الأبشع من هذا أن تسرق هذه الحروب المستقبل والأمل والتفاؤل والغد مع  الحلم في الإشراق، أن تسرق كل المعاني و كل الأهداف وكل المخططات و كل السبل لتحقيقها، أن تحكم على أشخاص ليس لهم ذنب بالركود والجمود بالسجن، وأن تغلق كل الطرق والسبل نحو التجديد والتطور والغد الأفضل.

كيف سيكون حال أبناء الجيل الذي أنشأته الحرب، الحرب لا تولد الدمار  فحسب والموت لأن الموت في هذه الحالة أرحم بكثير من مخلفاتها الأخرى وهي الجهل أليس الجهل و الرجعية أكبر قاتل للحياة.

هل يوجد أبشع من جريمة ستولد الجهل و تحارب العلم والتقدم،هل يوجد أبشع من إرجاعنا إلى سنوات العبودية، عبودية الأفكار السخيفة والسطحية التي كانت سجن للكثير عبر الأزمنة و العصور السابقة،أين السبيل لتحقيق الديمقراطية في هذا الوضع؟

أثناء تصوير بعد مقتطفات من مخيمات اللاجئين في صورة كانت توجد كلمة واحدة و هي الله، سأل شخص عدة أطفال عن اسم الكلمة الموجودة على الصورة لم يتمكن أحدا منهم من فهمها و أعمارهم كانت تصل حتى لسن الاثنى عشر، استغرب هذا الشخص مع أنني لم أستغرب لأنه ليس بإمكاننا أن نلوم هؤلاء الأطفال، لأنهم ضحايا لمنظومة بأكملها سعت لتدميرهم  لغاية واحدة و هي خلق جيل غير متعلم.

كيف سيتعلمون وهم من هربوا من الحرب إلى مصير أسوء بكثير ؟هم من هربوا من أصوات الرصاصات إلى طعم الجوع و الذل و القهر،كيف سيتعلمون وهم محرومون من أدنى مقومات العيش الكريم لا أكل صحي لا مال لا قوة لا مستقبل لاشئ.

من حكم على هؤلاء بهذا المصير، أليسوا من دبروا الحروب بدون حسابات لنتائج دفع ثمنها أبرياء بدون ذنب، الجريمة ليست فحسب الحرب، بل الجريمة الأكثر بشاعة ما خلفته هذه الحرب من مخلفات لن تزول إلى ما لا نهاية.

كلمة.. لا أعرف الكلمة الوحيدة التي اكتفى بقولها هؤلاء الأطفال نعم هم لا يعرفون ليس فحسب الكلمة الموجودة في الصورة، هم لا يعرفون ما الذي أوصلهم لهذا المصير، هم لا يعرفون لماذا ماتت أمهم و تركهم أباهم  أو ذويهم، هم لا يعرفون لماذا تركوا وطنهم و منزلهم، هم لا يعرفون لماذا لم يلتحقوا بالمدارس، هم لا يعرفون ماذا حدث و ماذا يحدث و ماذا سيحدث، كلمة لا أعرف تتجسد في الكثير لديهم هم لا يعرفون حتى ماهو ذنبهم ليصل بهم الحال لكلمة لا أعرف.

فلماذا يطرح هذا السؤال لتكون الإجابة المتكررة لا أعرف، السؤال يجب طرحه في هذه الحالة عدة مرات عن كل من تسبب في هذا الإجرام، اسأله مرارا فلن يقول لك  لا أعرف بل سيقول مصالح ،صراع قوة ،نفوذ ،سلطة ،البقاء للأقوى، العالم لن نحكمه إلا بالقوة والحرب ولن يقول لك أبداً لا أعرف، بل سيجيبك بصوت مفتخر، هكذا تكون حرب الأقوياء سيقول لك الحرب لن تدمر أشخاص فحسب بل ستدمر قوى اقتصادية ستدمرالعلم و التقدم، سيقول لك انه إنجازعظيم نفتخر بهذه النتيجة و مضمون بقائنا الأبدي لن يقف أي شعب في وجهنا بعد اليوم لأن مستقبل الأجيال أصبح واضح لدينا و هو التشرد و الجهل و الفقر و الجوع و الظلام .

سيقول لك هو مستقبل مجهول  لديهم  لكنه واضح لدينا و سيفتخر هو وكل من شاركوه في هذا الإجرام..في نظري و نظرك إجرام لكنه في نظرهم إنجاز عظيم و عبقرية لا مثيل لها.

للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا
tF اشترك في حسابنا على فيسبوك وتويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى