ليس من العجيب وأنت في رحلة إلى قرية «ليان نان» الواقعة بمقاطعة «غوانغ دونغ» جنوب الصين أن تقع عيناك فجأةً على بعض الحيوانات المجففة! للوهلة الأولى قد تظن أنك بمتحفٍ خاص للحيوانات البرية، ولكن بمجرد أن تتساءل ستفجعك الإجابات بأن تلك الحيوانات للبيع! ولمزيد من الاستفسار عن سبب بيعها مجففةً ستفجعك الإجابة ثانية، أنها للطبخ!
في تلك القرية الواقعة في جنوب الصين اشتهر سكانها بشغفهم بأكل الحيوانات البرية، ولذلك جذور ثقافية وسياسية عميقة مرتبطة بفترة المجاعة التي عانى منها الصينيون في خمسينيات القرن الماضي حيث ينظر الصينيون إلى (الحيوانات البرية) باعتبارها شيء أساسي بالنسبة لهم حيث أصبح تناول هذا النوع من الحيوانات بمثابة مقياس للهوية في الصين.
وحسبما أكدت الدراسات أن أكثر من 65٪ من سكان الجنوب لا يزالون يأكلون الحيوانات البرية حتى بعد ظهور فيروس سارس في مقاطعة «غوانغ دونغ» الجنوبية عام 2003، والذي قضى على أكثر من 800 شخص وقتها، فضلاً عن وجود مئات الآلاف من المطاعم الشعبية والمتاجر غير المرخصة في الجنوب، وهي أشياء لا يمكن أن تراها في مقاطعات ومدن أخرى مثل بكين وشانغهاي.
وعن تطور تاريخ انتشار الفيروسات في الصين نجد أنها تعرضت في القرن الأخير لأوبئة عديدة، حيث انتشر وباء الأنفلونزا الآسيوية في شتاء 1957م على نطاقٍ واسعٍ، وطال أكثر من أربعة ملايين شخص حول العالم.
وفي عام 1968 انتشر وباء فيروسي يُعرف بأنفلونزا هونغ كونغ أصاب أكثر من مليوني شخص، وكان السارس والذي ظهر في 2003 (متلازمة الالتهاب التنفسي) قد أصاب وقتها أكثر من 8000 شخص قتل 800 منهم على الأقل في الحال، كما توفي حوالي 400 شخص في وباء أنفلونزا الطيور (اتش 5 إن 1)، ثم تفشي فيروس كورونا الجديد في مدينة ووهان الصينية في ديسمبر الماضي، خصوصا بعد انتشاره خارج حدود الصين وظهوره في أكثر من عشرين دولة الأمر الذي أثار الزعر في العالم أجمع، ومع كل هذا الفزع.. لماذا صمدت الصين في الوقت الذي فزعت فيه باقي دول العالم؟
فمع انتشار تلك الأوبئة تعتبر الصين من أكثر الدول التي نجحت في التصدي لتلك الأزمات والحد من انتشار الأوبئة في عدة مناطق أخرى، ففي البداية ومع تفشي الفيروس المنتمى لعائلة الفيروسات التاجية، شرعت السلطات الصينية مؤخراً في إغلاق أكثر من خمسين سوقاً شعبياً في إحدى عشرة مدينة، الأمر الذي مثل اعترافاً ضمنياً بأنها أحد الأسباب الرئيسية لظهور الفيروس الجديد، الأمر الذي لم يعد يثير الغرابة من إقدام الصين وفي غضون بضعة أيام فقط على إنشاء أكثر من مستشفى ميداني تستوعب أكثر من ستة آلاف سرير، ومستشفى إلكتروني استشاري يساهم فيه 1500 طبيب بالتواصل مع المرضي وتقديم الاستشارات الطبية والوصفات والوقائية والعلاجية اللازمة للأعراض الناتجة عن فيروس كورونا الجديد.
كما شرعت الحكومة الصينية لعمل منصة إلكترونية للرد على أي استفسارات تخص تلك الأزمة، حيث اعتمدت الصين خطة من ثلاث مراحل المرحلة الأولى «الحد من انتشار الوباء والتي تمثلت في إغلاق مناطق الإصابة والحد من التنقل بينها وبين المناطق الأخرى الغير مصابة»، والمرحلة الثانية «السيطرة على الوباء من خلال التطعيمات المناسبة والتي يجري تجهيزها في المراكز العلمية البحثية حيث عكف علماء صينيون على إجراء بحوث في منتهى السرعة للمساعدة في صياغة إستراتيجية علمية محكمة للتعامل مع أزمة كورونا الجديد والقضاء عليه، وشكل أكاديميون وخبراء من الأكاديمية الصينية للهندسة فريقاً لبحث هذا الأمر واكتشاف أساسه تمهيداً للتعامل معه» أما المرحلة الأخيرة «فهي علاج لهذا الوباء ومن المتوقع أن تنشر نتائج الأدوية التي تم اختبارها قريبا». الأمر الذي جعل المدير العام لـ منظمة الصحة العالمية تيدروس أدانوم جبرايسوس، يشير في أحد تصريحاته إلى الإجراءات القوية جداً التي اتخذتها الصين حتى الآن.
فإن كانت هذه هي الصين مسقط رأس الأزمة فماذا عن باقي دول العالم؟! ..الفزع والرعب سيد الموقف، كانت الولايات المتحدة أولى الدول التي قامت بجلب رعاياها بشكلٍ جزئي، بالإضافة إلى فرض حظر على السفر من وإلى الصين، الأمر الذي أثار حفيظة بكين التي اتهمت واشنطن بنشر الخوف في تعاملها مع انتشار الفيروس بدلاً من تقديم المساعدة للسلطات الصحية، معتبرة أن موقف الولايات المتحدة سيئ في التعامل مع الأزمة.
أما عن الدول العربية فقد اتخذت السلطات في كل من العراق والمغرب والأردن ومصر والسعودية والإمارات إجراءات احترازية للحيلولة دون انتشار الفيروس، معلنةً عدم تسجيل أي حالة اشتباه أو إصابة، فقد قامت العراق بإرسال طائرة خاصة فيها طاقم طبي إلى مدينة ووهان الصينية لإجلاء الطلبة العراقيين وعوائلهم، بينما أمر العاهل المغربي الملك محمد السادس، حكومة البلاد بإعادة نحو 100 مواطن مغربي، كما قررت الحكومة الأردنية منذ يوم السبت إجلاء رعاياها من ووهان، وفي الكويت أعلنت وزارة الخارجية عن بدء إعادة عائلات البعثات الدبلوماسية الموجودة في الصين، فيما دعت وزارة الخارجية والتعاون الدولي بالإمارات مواطني الدولة إلى تأجيل السفر إلى الصين إلا في حالات الضرورة القصوى، ودعت السفارة السعودية في الصين رعايا المملكة المقيمين والزائرين إلى مغادرة البلاد، وأعلنت السفارة المصرية في الصين تشكيل مجموعة يديرها أعضاء السفارة للتواصل مع أبناء الجالية في الصين.
ومما يثير العجب داخل الصين هو أنه رغم الأزمة لم يتم تسجيل حالات خرق للتعليمات سواء في المدن المعزولة التي تضم أكثر من ستين مليون نسمة أو في المناطق الأخرى، كما لم تبرز مظاهر سلبية مثل احتكار السلع وارتفاع الأسعار وعمليات السطو وحوادث السرقة أو نشر أي شائعات وحتى هناك تحفظ شديد في كل القطاعات في التصريح بأي معلوماتٍ خاصة بالوباء، ولم نرى أو نسمع عن أي عمليات تشويه أو تقليل من الجهود أو محاولة تسيسها لصالح حزب أو حركة معينة فالكل يسير متكاتف الأيدي لمواجهة ما أسماه الرئيس الصيني شي جين بينغ، بالشيطان! وهذا هو الدرس الذي يجب أن نستفيد نحن في دولنا العربية من التكاتف في مواجهة الأزمات والاصطفاف خلف الجيش والسلطات المعنية لحماية أمن وسلامة الدول.
للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا
t - F اشترك في حسابنا على فيسبوك وتويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية