نون والقلم

د. الشيماء أبو الخير تكتب: من حافي القدمين لبطل أسعد الملايين.. ساديو ماني أسطورة التواضع!

الكثيرون يعشقون الشهرة ويسعون وراءها، لكن تُرى هل الشهرة دليل على المحبة؟ ولو كانت كذلك فلماذا هناك الكثير من المشاهير على الساحة لكن بمجرد ذكر أسمائهم تُصب عليهم اللعنات من الجميع؟! وهل الشهرة تستلزم المحبة؟ وهل للشهرة معايير إذا لم تتوفر تصبح مؤقتة أم أنها تكون مجرد استعراض كاذب ليس أكثر؟! ماذا لو سعى الإنسان للحب ثم كان سبباً في شهرته؟ هل يمكن للمحبة أن تجعل الإنسان مشهوراً ؟

إن المقياس هنا ليس في مقدار المحبة أو الشهرة، بل في مدى تحقق صفة القرب، فأينما كنت وأياً كان مركزك وقدرك تظل المحبة مقترنة بمدى القرب من الآخرين والحفاظ على مساحة اللطف في التعامل مع الناس جميعاً وبدون تمييز.

وهذا الحب الغير مقترن بصفة أو مظهر أو حتى ماضي أو لون  قد يخط الطريق للقلوب ويظل محفوراً لأزمنة مختلفة، كما الحال في  تلك القرية الفقيرة في السنغال، ومن رحم الفقر المدقع نشأ هذا الفتى الأسمر، يتلهف الفرصة التي قد يحصل فيها على قطعة الخبز ليسد بها جوعه، لم يفشل في دراسته لكن فقره الشديد منعه من استكمال دراسته لعدم تمكنه من دفع المصروفات الدراسية.

لم ييأس ولم يكل بل سار بكل حزم وانتقل لإشباع هوايته في لعب كرة القدم مع أطفال قريته «بامبالي السنغالية» .. كان يلعب حافٍ القدمين، لكن شغفه بكرة القدم لم يقابله إلا رفض صارم من عائلته التي كانت تريده أن يستكمل دراسته فحسب، لكنه استمر في ممارسة رياضته المفضلة في الشوارع الضيقة والساحات المتهالكة مع أطفال في عمره.

وعندما بدا تميزه واضحاً في الملعب واقتنعت أسرته بموهبته سمحوا له بالذهاب إلى «داكار» ومن هناك بدأت حياة ساديو ماني الكروية، حيث انضم إلى أكاديمية لكرة القدم وبدأ في التدريب واللعب معهم ولكن الكل سخروا من مظهره الفقير ..ملابس مقطعة وحذاء مقطع، رغم تفوقه على مستوى الأداء قائلين هل هذا سيكون لاعب كرة قدم وكيف له أن يستمر بالأكاديمية؟!

وتحسنت أوضاعه رويداً رويدا وتمكن من شراء حذاء رياضي ولكنه ما زال بملابس ممزقة، فقد كان الأولى لديه هو سد احتياجات عائلته من المأكل على الأقل، وبدأ ماني رحلته الكروية حتى انتقل إلى نادي ميتز الفرنسي، ومنه إلى نادي ريد بل سالزبورغ النمساوي، ثم وقع مع ساوثهامبتون الإنجليزي، ومنه انتقل إلى ناديه الحالي ليفربول في عام 2016 مقابل 34 مليون جنيه إسترليني، ليصبح أغلى صفقة انتقال للاعب أفريقي في التاريخ في ذلك الوقت. وتطور بشكل ملحوظ وأثبت ساديو ماني نجاحه الفوري مع الريدز، واستمر في طريق تفوقه هذا إلى اليوم.

والآن وبعد مرور سنوات عديدة هل كان يتوقع السنغالي مانى أن تخط تلك القدم الحافية من بوابة المجد والشهرة والنجاح الساحق لدرجة تربعه على عرش القارة السمراء؟ هل فكر في تلك الملابس الممزقة التي كان يرتديها في صغره هل أصابته لعنة الخجل وجلس يبكى؟بالطبع لا.. فطريق النجاح يبدأ بتحطيم أرض اليأس واقتلاع جذور الإحباط.

ذات يوم قال ماني في تصريحٍ له: «لماذا أريد عشر سيارات من الطراز العالمي أو عشرين ساعة من الألماس أو طائرتين؟ ماذا ستفعل هذه الأشياء بالنسبة لي وللعالم؟ كنت جائعًا، وكان عليّ أن أعمل في الميدان، لقد نجوت في أوقات عصيبة، ولعبت كرة قدم حافٍ القدمين، ولم يكن لدي تعليم وأشياء أخرى كثيرة، لكن اليوم مع ما فزت به بفضل كرة القدم يمكنني مساعدة شعبي».

واستطرد قائلاً: «لقد بنيت المدارس، وملعب كرة القدم، ونحن نقدم الملابس والأحذية والغذاء للأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع، بالإضافة إلى ذلك أعطي رواتب شهريًا لجميع للناس في منطقة فقيرة للغاية من السنغال والتي تساهم في اقتصاد الأسرة، لست بحاجة إلى عرض السيارات الفاخرة والمنازل الفاخرة والرحلات وحتى الطائرات. أفضل أن يحصل شعبي على القليل مما أعطاني إياه».

كل كلمة نطق بها ساديو مانى ما هي إلا درس يجب أن يدرس في التواضع والثقة في الله، فهذا الفقير الجائع الذي رزقه الله أبواباً من الرزق لم يخجل يوماً أن يظهر أمام العدسات بهاتفه وقد بدي على شاشته التحطيم، لم يخجل في سرد قصته الحقيقية لم يتردد يوماً أن يقف في المحافل العالمية ويقول انه جاء حافٍ القدمين وأن هذا الشارع الفقير كان سبباً في تعلمه أصول اللعب.

العبرة هنا ليست بمقدار الشهرة والسعي والنجاح بقدر التواضع وحب الذات وحب الآخرين والإحساس بهم ومساعدتهم والإنفاق عليهم، فديننا الإسلام حثنا على أن ننفق مما نحب لا أن نتصدق بالفتات المتبقي منا، هذا اللاعب المشهور على مستوى العالم يحبه الملايين حول العالم وهذا دليل على محبة الله، خشي أن يستعرض ثروته ويرتدى الملابس الفارهة والسيارات والذهب، ويقضى إجازاته في أفخم المنتجعات حول العالم، رغم أنه يستطيع ولكنه فضل أن يعطى للجميع مما أعطاه الله، وهذا ما يجب أن نتعلمه فالله عز وجل قسم الرزق حقاً لكنه اختص أناساً وجعلهم مصادر لرزق الكثيرين من عباده وهنا يتضح عظم المكانة التي يمنحها الله لعباده الصالحين.

للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا
tF اشترك في حسابنا على فيسبوك وتويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى