نون والقلم

نظرية «لعبة البولينغ»

ضمن نظريات السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، تعبير نظرية لعبة البولينغ Skittle Thery.
هذه النظرية ارتبطت بحرب العراق عام 2003، اقتناعاً بأنها ستجر وراءها تداعيات في باقي الدول العربية، بنفس طريقة ما يحدث في لعبة البولينغ، التي تتساقط فيها قطع متراصة، بمجرد إصابة الكرة لواحدة منها.
ومن المعروف في صناعة قرار السياسة الخارجية في الولايات المتحدة، إطلاق نظريات، تتولى الترويج لها على مستوى العالم، مراكز الفكر السياسي، ووسائل الإعلام ذات الانتشار عالميا، ثم دفعها إلى ساحات المناقشات، ليس فقط في الولايات المتحدة، بل أيضاً في معظم دول العالم. والغرض من ذلك تهيئة الظروف لها لتتحول إلى سياسة فعلية، إذا نضجت الفكرة، ولقيت قبولا عاماً. أما إذا ظهر أن الأوضاع – سواء داخل الولايات المتحدة، أو خارجها – لا تسمح لها بأن تقف على قدميها، فيتم إرجاء نقلها من المستوى النظري إلى المستوى التطبيقي، أو التخلي عنها لحساب نظرية أخرى. وعلى سبيل المثال، فإن من النظريات التي تحولت إلى سياسة رسمية، نظرية التدخل في شؤون الدول الأخرى لأسباب إنسانية، والتي ظهرت في أوائل التسعينات.
ومن النظريات التي لم تتقبلها الظروف وقتها، تلك التي طرحت عقب انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفييتي، عن البحث عن عدو بديل للعدو السوفييتي السابق، فطرحت نظرية العدو المسلم، التي رفضتها إدارة كلينتون، أو العدو الصيني التى لم تلق قبولاً لدى مؤسسات صنع السياسة.
وبالنسبة لنظرية لعبة البولينغ، فقد قصد بها، أن تسديد كرة واحدة نحو العراق، يمكن أن يؤدى إلى سقوط أو تفكك عدة أنظمة عربية، حتى ولو استغرق ذلك بعض الوقت.
كانت نقطة انطلاق نظرية لعبة البولينغ، المرتبطة بإطلاق حرب العراق عام 2003، قد عكسها بشكل غير مباشر خطاب للرئيس بوش أمام «معهد أمريكان إنتر برايز»، قبل غزو العراق بعشرة أيام، قال فيه :إن العراق بعد تحريره، سيكون النموذج الذي يحتذى في باقى الدول العربية. لكن تعثر العمليات العسكرية الأمريكية في العراق، لم يسمح بتكرار النموذج وقتها. ولم تتسبب لعبة البولينغ المسددة نحو العراق أولاً، في تتابع عاجل، لسقوط بقية الكيانات كما كانوا يتوقعون.
وبعد أن أخفقت نظرية توابع الزلازل لتلحق بزلزال العراق، ظهر ما عرف بالاستراتيجية الثالثة (التي تأتي بعد الغزو، والتوابع)، والتي ظهرت أولى ملامحها عام 2010، ثم وضعت موضع التطبيق عام 2011، على أساس استغلال أحداث الربيع العربي، لإثارة موجات من الفوضى المتعمدة في دول المنطقة، بالتركيز على مصر لاقتناعهم بأنها لو سقطت، لتوالى سقوط بقية القطع.
وتقوم نظرية الاستراتيجية الثالثة على إعادة رسم الحدود في الشرق الأوسط، وفق معايير طائفية، وقبلية، بطريقة تضعف الكيانات السياسية والعسكرية، في الدول العربية الرئيسية، وهو ما يساعد الغرب على بسط سيطرته على المنطقة.
ولما كانت مثل هذه النظريات والخطط توضع للمدى البعيد، وتتطور أساليبها حسب التغيرات الإقليمية والدولية، فقد تم اصطناع «داعش» في مرحلة معينة، لتخدم في النهاية فحوى هذه النظريات.
وفي محاولة لتحليل ذلك، كتب أد ينكا ماكيند، بقسم إدارة النزاعات في موقع «غوبال ريسيرش»، أن الأزمة الراهنة التي أحدثها تنظيم «داعش» في العراق، تتفق مع السياسة التي اتبعتها الولايات المتحدة، في سعيها لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، بأسلوب بلقنة المنطقة، وذلك بإشعال سلسلة من النزاعات المصطنعة، بهدف ضمان حماية مصالح أمريكا فى المنطقة. ولم يكن ذلك ليتحقق إلا بإشاعة الفوضى، وهدم الأنظمة، ثم إيجاد أنظمة بديلة تحكم بالوكالة عن أمريكا.
إن نظرية لعبة البولينغ لم تأت من فراغ، لكنها نبتت من مبدأ أساسي في الفكر الذي يحكم استراتيجيات الدول الغربية والاستراتيجية الأمريكية خاصة، وهو المبدأ الذي يلخصه تعبير «كلهم عرب». أي إن هناك رؤية استراتيجية متكاملة في التعامل مع الدول العربية كمجموع، بصرف النظر عن وجود علاقات ثنائية قائمة بذاتها، بين القوى الكبرى وبعض دول المنطقة.

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى