المكسب الحقيقي الذي حققه مؤتمر برلين، لبحث الأزمة الليبية، هو إيقاف ما يسمى «إرسال قوات تركية لدعم حكومة السراج»، لأن نتائج المؤتمر، أعلنت نتائج، تؤكد لمن يريد قراءتها، عرقلة المشروع الحقيقي لتركيا، وهو إرسال ميليشيات مسلحة، كان سيتم نقلها من سوريا، لتبدأ مرحلة جديدة من العمل على حدودنا، في ليبيا، وكان سيعقب هذا المشروع، وخلاله، الاستيلاء على النفط الليبي، لإنعاش الاقتصاد التركي، ولتمويل عمليات إرهابية ممنهجة ضد مصر.
أما باقي نتائج المؤتمر فعليها ملاحظات، وصعوبات من حيث تنفيذ مقرراتها، فالمشاركون في المؤتمر أصدروا بيانًا ختاميًا دعوا فيه لتعزيز الهدنة في البلاد، ووقف الهجمات على منشآت النفط وتشكيل قوات عسكرية ليبية موحدة، وحظر توريد السلاح إلى ليبيا.. طبعًا الحديث حول الهدنة ووقف الهجمات على منشآت النفط، عادية ومنطقية، أما الحديث عن الجيش الموحد، فهو حديث صعب جدًا، لأن تسييس الجيوش يؤدى إلى تفجيرها قبل أن يتم تأسيسها، فلا يمكن الحديث عن جيش فئوي، أو قبلي، ولا يمكن تصديق وجود نظام «المحاصصة» عند مناقشة الأعداد المكونة للجيش، أو نظم تسليحه، وأماكن تمركزه، وبالتالي لا يمكننا مناقشة إمكانية تحقيق هذا البند الصعب جدًا، وحتى عندما نتكلم عن التسليح، لا يمكن لأية قوة دولية التحكم بسهولة في وسائل نقل السلاح، بكميات كبيرة، إلى أماكن النزاع المسلح، أو إيقاف المسيطرين على هذا السوق ومنعهم من توريد الكميات المطلوبة.
المكسب الآخر، الذي يمثل ناتجًا جيدًا، هو التعهد بالامتناع عن التدخل في النزاع المسلح أو الشئون الداخلية لليبيا، وهذا يعنى التزام جميع المشاركين، ومن بينهم تركيا، بعدم التدخل في الشأن الليبي، وحدث تطور كبير في لغة الحديث عن ليبيا، عندما قال البيان الختامي: «ندعو كل الأطراف الدولية إلى حذو حذونا» وهذا يعنى ضرورة الالتزام بوقف دعم إيقاف الحرب، ووقف تغيير نمط السيطرة الحالية على أجزاء من الأراضي الليبية، ليبقى الحال على ما هو عليه.
الملاحظ، أن الخطاب الإعلامي والسياسي التركي اختفى تمامًا، من بيان مؤتمر برلين، فلا حديث عن حكومة شرعية، ولا حديث حول أن فايز السراج هو الممثل الشرعي الوحيد للشعب الليبي، كل هذه المفردات انتهت تمامًا من وسائل الإعلام، خلال انعقاد المؤتمر، وهذا يعنى أن الجيش الوطني الليبي، يقف على أرض ثابتة، ولن يتم تنفيذ مشروع مجابهته بالميليشيات المسلحة.
ورغم صعوبة مراقبة تهريب السلاح، تعهد الموقعون على البيان بالالتزام الصارم والكامل بتطبيق الحظر على توريد الأسلحة إلى ليبيا والذي فرضه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بموجب القرار رقم 1970 الصادر عام 2011، والقرارات اللاحقة بشأن منع انتشار السلاح في ليبيا، وهذا يعنى أن هناك مراقبة للسواحل الليبية، ستؤدى إلى منع محاولات تهريب عناصر الميليشيات المسلحة عبر السفن التركية، وهذا مكسب جديد يضاف إلى نتائج المؤتمر، ولصالح الشعب الليبي.
طبعًا النص الخاص بالدمج سيكون صعب التحقيق.. فالحديث عن «نزع السلاح للجماعات والتشكيلات المسلحة في ليبيا مع الدمج اللاحق لعناصرها في المؤسسات المدنية والعسكرية وأجهزة الأمن بشكل شخصي بناء على عدد قوام القوات المسلحة وتدقيق هوياتهم» يحتاج إلى وقت طويل، حتى يتم التحقق من انتماءات هذه العناصر، صحيح أن البيان دعا الأمم المتحدة إلى دعم هذه العملية، ولكنها تحتاج إلى إجراءات زمنية ومعلوماتية كبيرة، حتى يتم التعرف على هوية كل شخص يعمل في مؤسسات الدولة، ومدى انتماءه للوطن أو للجماعات الموازية.. ولذلك سيبقى ما جاء في بيان مؤتمر برلين الذي أكد ضرورة «إنشاء جيش وطني ليبي موحد وشرطة وقوات أمن موحدة تحت إدارة السلطات المدنية المركزية على أساس عملية القاهرة التفاوضية والوثائق المنبثقة عنها» سيبقى أمرًا مؤجلًا حتى تخرج الميليشيات من ليبيا.
البند الذي يجب التوقف عنده، هو الذي ينص على أن «المؤسسة الوطنية للنفط تمثل شركة النفط الشرعية المستقلة الوحيدة بموجب القرارين 2259 و2441 الصادرين عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وندعو كل الأطراف إلى مواصلة ضمان أمن المنشآت والامتناع عن أي عمليات عدائية بحق المواقع والبنية التحتية النفطية» طبعًا هذه المؤسسة، تعمل مع حكومة فايز السراج، ولكن معظم الموانئ المهمة تقع تحت سيطرة المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الليبي، وهذا يعنى أن أغلب الدول المشاركة في مؤتمر برلين، تريد تأمين ووصول النفط لبلادها، ولكن هذا القرار يحتاج إلى تفعيل صارم، فإن أرادت الدول الأوروبية، تأمين وصول البترول، عليها أن ترسل مقابلها مقسمًا بين الطرفين المتنازعين، ويجب أن تخرج المؤسسة الوطنية للنفط من سيطرة أي من الطرفين، ليصبح انتماؤها للشعب الليبي فقط، والبداية تكون عبر حلول تمنع سيطرة طرف على الإيرادات، دون الطرف الآخر، خصوصًا أن شيوخ القبائل الليبية، اتهموا حكومة السراج باستخدام إيرادات النفط لدفع أجور المقاتلين الأجانب.
عمومًا.. توريد الميليشيات، ونقلها من سوريا مرتدية ملابس عسكرية تركية، أصبح مراقبًا دوليًا، ولن يتم تنفيذ عمليات النقل بسهولة.. اللهم أحفظ ليبيا من كل الطامعين، وأحفظ مصر وشعبها وجيشها.
tarektohamy@alwafd.org
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك وتويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية