احتارت وسائل الإعلام، منذ أيام في تصنيف، الأنباء التي ترددت عن عقد لقاء بين الجيش الليبي، وحكومة السراج، لإجراء مباحثات في موسكو، لإيقاف إطلاق النار، بين الجانبين.. ولكن هذه الحيرة زالت من الأذهان عقب ساعات من اللقاء، عندما قرر قائد الجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر، مغادرة موسكو دون توقيع الاتفاق، طالبًا مهلة للتشاور مع قيادات الجيش الليبي، رافضًا التوقيع على بنود الاتفاق.
وكالة أنباء «سبوتنيك» الروسية، كشفت أمس، الثلاثاء، نقلًا عن مصدر عسكري مقرب من قيادة الجيش الوطني الليبي، أن المشير خليفة حفتر «غادر موسكو متوجهًا إلى بنغازي ولن يوقع على الاتفاق ما لم يتم وضع جدول زمني لإنهاء وحل الميليشيات»، ووصف المصدر رفض السراج لوجود البند الخاص بحل الميليشيات بأنه «نقطة الخلاف وسبب عدم توقيع حفتر على اتفاق وقف إطلاق النار».
أولًا.. يجب أن تهتم بمعرفة وسيلة الإعلام التي نشرت الخبر، وهى وكالة أنباء «سبوتنيك» المقربة من مصادر اتخاذ القرار في روسيا، وهذا يعنى صحة الخبر، ودقته، بغض النظر عن عدم وجود تفاصيل أكثر من ذلك، لأن الخبر لا يحتاج لتفاصيل ومعلومات، وهو يشرح نفسه، ويعنى، أن المشير خليفة حفتر، أدرك أنه يواجه مناورة تركية، تستهدف إيقاف تقدمه نحو العاصمة الليبية، وأن قبول حفتر لإيقاف إطلاق النار، كان يعنى عند حكومة السراج، وتركيا، المساند الأول للسراج، مجرد مرحلة زمنية تُعيد الوضع العسكري، إلى ما قبل تقدم قوات الجيش الليبي نحو العاصمة، وتعنى، أيضًا، مناورة سياسية، لأن الجانب التركي، كان سيقوم بترويج الاتفاق باعتباره، تراجعًا، واستسلامًا من الجيش الليبي، وقطعًا نحن نعرف طبيعة الشعب العربي، وخصائص القبائل الليبية التي ستنظر للاتفاق بهذه البنود على أنه تراجعًا للخلف، وباعتباره ضعفًا من الجيش الليبي، وكان هذا هو الوتر الذي كانت ستعزف عليه تركيا بعد ساعات من توقيع الاتفاق.
بالإضافة إلى ذلك، كان سيسهم الاتفاق، غير المشروط، في منح دول الجوار للغرب الليبي، مثل تونس، المبرر، لمنح تركيا، لعدد من ممرات العبور إلى الداخل الليبي، لتوصيل قوات، مساندة للميليشيات المقاتلة بجانب حكومة السراج، وبالتالي، فك الحصار المفروض عليها حاليًا، مما يؤدى إلى تحويل مسار المعركة.
قبل هذا كله.. من حيث الشكل، كان هناك خلل في لقاء حفتر والسراج، لأن اللقاء تم إجراؤه، برعاية روسية، وهذا مفهوم، نظرًا للعلاقات الوطيدة، بين روسيا، والمشير حفتر من ناحية، والعلاقة الاقتصادية الجديدة، والمعروفة بين روسيا، وتركيا الداعمة لحكومة السراج، ولكن الخلل كان في وجود وزيري الدفاع والخارجية التركيان، وكأن تركيا التي لا توجد حدود بينها وبين ليبيا، والتي تعلن كل يوم دعمها لحكومة السراج، وترسل إليه ميليشيات داعش للقتال بجواره في الغرب الليبي، وكأنها أصبحت شريكًا مباشرًا وغير خفي في الصراع، وفى الحل، داخل ليبيا، وهو ما يعنى أن اللقاء كان اتفاق تسليم ليبيا لتركيا، دون قيد أو شرط، وتسليم الجيش الوطني الليبي، لحكومة السراج، حتى يتم تفكيكه، ودمجه مع الميليشيات المسلحة، تمهيدًا لتنفيذ نموذج أردوغان، وتحقيق ما حدث مع الجيش التركي، في مواجهة القوات الخاصة المنتمية للإخوان، ولذلك فإن تنفيذ هذا السيناريو في ليبيا، هو الهدف الحقيقي من وراء تدخل تركيا بهذه القوة في ليبيا، حتى تتمكن من نقل نشاط الميليشيات، من المشرق العربي، إلى شمال إفريقيا، وهو تكليف لو تعلمون عظيم!
عمومًا.. من المنتظر أن تعقد في العاصمة الألمانية برلين قمة دولية حول ليبيا في 19 يناير الجاري، أي بعد أربعة أيام من الآن، ومن المفترض أن تشارك في هذا المؤتمر عشر دول على الأقل هي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي مع ألمانيا وتركيا وإيطاليا ومصر والإمارات، ولا أعرف إن كان سيتم عقد هذه القمة بعد فشل لقاء موسكو، أم لا.
على أية حال.. وفد حكومة السراج، غادر موسكو متوجهًا إلى اسطنبول مباشرة بعد توقيعه منفردًا على وثيقة وقف إطلاق النار، وهذا دليل على أن السراج لا يملك قراره، فالقرار عند تركيا، والأمر والنهى عند أردوغان، والقوة المسلحة عند الميليشيات، والدمار تدفع ثمنه ليبيا.
الخلاصة.. لن يكون هناك حل في ليبيا، إلا بعد خروج الميليشيات المسلحة من الأراضي الليبية، وهذا يعنى ضرورة خروج تركيا من المعادلة.
tarektohamy@alwafd.org
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t - F اشترك في حسابنا على فيسبوك وتويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية