الأحزاب هي أهم أدوات التنمية السياسية، وربما لم تنتج التجربة الإنسانية صيغة أفضل للتعددية السياسية من وجود أحزاب قائمة على برامج مختلفة وتتنافس فيما بينها للحصول على ثقة المواطن في الوصول إلى السلطة وتحقيق برامجها في خدمة قضايا المجتمع.
وباتت التعددية السياسية ملمحًا لا يغيب عن أي مجتمع ديمقراطي.. وإذا كانت الأحزاب تختلف في برامجها وأيديولوجيتها، فإنها تتشارك في أهداف عامة ومهام محددة يأتي على رأسها تنظيم إرادة قطاع من الجماهير وتوجيهها، ودعم المشاركة الشعبية تجاه القضايا الوطنية، بهدف الحفاظ على الدولة ومؤسساتها في مواجهة كل المخاطر أو المؤامرات من خلال حشد الدعم والتأييد للنظام السياسي حتى وإن اختلفت معه في بعض السياسات الداخلية.
يضاف إلى ذلك دور الأحزاب في إنعاش الحياة السياسية في المجتمع سواء بالتركيز على عملية الإصلاح السياسي أو بالدفع بكوادرها ونخبتها المثقفة إلى النقابات والاتحادات وغيرها من الشرائح الاجتماعية لنشر الوعي السياسي وإقناع المواطن بأهمية دوره الإيجابي في المشاركة السياسية سواء كانت في الانتخابات أو العمل الاجتماعي بشتى مستوياته.
من هنا تأتى أهمية دور الأحزاب السياسية خلال هذه المرحلة في أمرين كلاهما غاية في الأهمية.. فالأول يشكل مخاطر تحيق بالدولة المصرية.. وإذا كان المجتمع المصري يتميز بكونه منسجمًا في سياقه تجاه القضايا الوطنية، إلا أن التحديات التي تواجه الوطن الآن تحتم على الأحزاب النهوض بوظيفتها في دعم التلاحم الوطني من جانب، وإعلان دعمها للنظام السياسي من جانب آخر في كل ما يحدث على الأراضي الليبية ومنطقة شرق المتوسط لمواجهة العبث التركي الذي بات يهدد الأمن القومي المصري بشكل واضح وسافر.
ومع كامل ثقتنا في قواتنا المسلحة المصرية وقدرتها على مواجهة هذا العبث سواء كان من تركيا أو غيرها، إلا أن الأمر يحتاج إلى إعلان تلاحم وطني شامل يكون بمثابة رسالة واضحة برفض مصري شعبي قبل أن يكون سياسيا في مواجهة كل التحركات التركية التي دأبت على استفزاز مصر منذ سقوط الجماعة الإرهابية في مصر التي دعمتها تركيا على شتى المستويات، وما زالت تحتضن قياداتها حتى هذه اللحظة، وتفتح لها المنابر الإعلامية وغيرها من شتى أشكال الدعم اللوجستي، وتحاول إعادتها من خلال ليبيا.
لذلك يجب أن تكون هناك رسالة واضحة من كل القوى السياسية والشعبية بأن ما حدث في 30 يونيه يمكن أن يحدث في أية لحظة في مواجهة أي محاولات للعبث بمقدرات الدولة المصرية.
أما التحدي الثاني أمام الأحزاب السياسية في هذه المرحلة فهو عملية البناء السياسي الجديد الذي تشهده مصر في هذه الفترة، وهو بناء يحدد شكل وهوية الحياة السياسية للمرحلة القادمة.
وكلنا يعلم أن الدستور المصري الجديد حدد في مادته الخامسة بشكل قاطع قيام الحياة السياسية في مصر على التعددية، وهو أمر يحتاج إلى إقرار قانون مباشرة الحقوق السياسية خلال هذه الدورة لمجلس النواب لتحديد شكل وطريقة إجراء الانتخابات سواء لمجلس الشيوخ أو مجلس النواب.
وهنا يجب على الأحزاب السياسية العمل بشكل جاد وطرح رؤاها في هذا القانون بحيث يخرج القانون داعمًا للتعددية السياسية وللعمل الحزبي بشكل واضح لا لبس فيه، حتى تتحرر الأحزاب من قيود كثيرة كبلتها منذ 52 وحتى الآن، ويصبح هناك إصلاح سياسي حقيقي وتعددية سياسية تساعد وتساهم في تقوية الأحزاب السياسية، وتنهى هشاشتها في أعين وعقول المواطنين، وتتحول الأحزاب إلى مدارس سياسية حقيقية لجذب الشباب وكل المنشغلين والمهتمين بالشأن السياسي والعمل العام، وهو أمر في حد ذاته يؤدى إلى تجفيف منابع الجماعة الإرهابية وغيرها من جماعات التطرف التي تجذب الشباب.
كما أن وجود أحزاب قوية وتعددية سياسية حقيقية هو أمر في حد ذاته يقوى الجبهة الداخلية، ويساهم في التنمية بشتى أشكالها ومستوياتها، ويشكل حائط الصد الأول في مواجهة كل مؤامرات الخارج ويدحض كل المزاعم الخارجية عن الداخل المصري، وأيضا يساهم في ترسيخ القواعد الديمقراطية التي عرفتها مصر منذ حوالي قرن من الزمان.
نائب رئيس الوفد
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t - F اشترك في حسابنا على فيسبوك وتويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية