يواجه الشباب المغربي اليوم، سواء أكانوا في المدن أم القرى، عقبات هائلة في تحقيق التنمية الذاتية وفي خلق التحسينات التي يبحثون عنها لعائلاتهم ومجتمعاتهم وبلدهم وحتى بالنسبة للعالم.
ولأنهم يعرفون جيدًا هذه الحقيقة، فهم يواجهون الواقع الإحصائي الذي يؤكد بأنه كلّما ارتفعت درجات ومستويات تعليمهم، كلما زاد تضاؤل توقعات دخلهم بالتناسب. فكلما ارتفع مستوى التعليم انخفضت خيارات التوظيف المتاحة لهم. إن سبب وجود إيمان ضئيل بالنظام الاجتماعي و الشعور بعدم نزاهته يمنع من للانضمام إلى التعاونيات وتشكيل الشركات التي تعكس تطلعاتهم وتصور المزيد من الإنجازات المجزية.
في المناطق القروية تعد بطالة الشباب أكثر حدة. فالاقتصادات النقدية التي تعتمد على الخبرة المعمول بها في العمل اليومي توفر فرصة ضئيلة لفرص العمل. والهجرة الحضرية هي البديل الوحيد للكثيرين، حتى عندما تكون رغباتهم الحقيقية هي البقاء في مجتمعاتهم والبناء على ارتباطاتهم المحلية القلبية. تجبر مستويات التعليم القروي الفقير وغير المقبول العائلات على الانتقال إلى المدن. وبالنظر إلى الحوافز القوية الواضحة بين الشباب لتغيير واقعهم، فإن معدل النجاح منخفض. يبدو أن التمويل المضمون لإطلاق مشاريع جديدة هو الاستثناء.
وبالرغم من ذلك، يمكن العثور على الضوء الساطع للتغيير في الحالة المغربية. إن مشاركة الناس في تنميتهم الذاتية هي قانون الأرض الذي يتغلغل في البنية الاجتماعية عن طريق السياسات والبرامج والالتزام القانوني. وتحدد أجزاء من هذه المبادئ التوجيهية للإطار الوطني للتنمية البشرية الشباب كوسيلة أساسية ومحتملة في تسهيل حركات التنمية التشاركية المحلية التي تسعى إليها الدولة. هذا يعني أن المشاركة المباشرة للشباب في ضمّ مجتمعاتهم معًا، في تخطيط وإدارة المشاريع، توفر الإنجاز الذي تستحقه حياتهم مع توفير جسر رئيسي لمستقبل المغرب الأفضل. ببساطة: التنمية المستدامة المغربية. واقع نتائجها لجميع الناس سوف يتحدد بالدور الذي يلعبه الشباب.
ولكن كيف نتحرك إلى الأمام، وكيف يجسد هذا روح المبادرة الحقيقية؟ فكما هو الحال في طرق التعلم وفي تطوير مهارات جديدة فإننا نقوم بعمل أفضل من خلال الممارسة. نقوم بتنسيق الحوار المحلي الشامل من خلال المساعدة في تسير هذا الحوار. نحن نساعد الآخرين في تحديد مشاريعهم المفضّلة الموجهة نحو مستقبل أفضل عن طريق القيام بما يلي: طرح الأسئلة وجمع الإجابات والاستفادة منها في مساعدة الآخرين على العمل من خلالها حتى يتم تحديد إجماع وتوجيه مشترك.
بالإضافة إلى ذلك، عرضنا مقترحات ناجحة لمشاريع عن طريق كتابتها وتقديمها مع متابعة مسؤولة. نتعلم كيفية إنشاء الميزانيات من خلال إنشائها. نبني القدرات حول تقييم الإجراءات السابقة من أجل بناء دورات مستقبلية من خلال المشاركة فيها. نتعلم من التجربة التي يجب على شبابنا ممارستها. لحسن الحظ، لا توجد شروط مسبقة مطلوبة للبدء. ليس من الضروري أن يكون لدينا شهادة علمية. ليس هناك حالة فطرية أو خلفية لازمة للتأهل. نبدأ من البداية. الوقت والحياة قصيران، لذلك يجب أن نبدأ الآن.
غالبًا ما يتم تعليمنا التفكير بأن ريادة الأعمال تأتي من ابتكارنا الخاص. غالبًا ما يتمّ أيضا تشجيعنا على الاعتقاد بأننا لكي نصبح أكثر إبداعًا وإستراتيجية ونجاحًا هو أن نقوم بما ينبع من براعتنا الخاصة ومن إحساسنا التجاري الشخصي ويستند إلى قدرتنا على الابتكار واتخاذ القرار.
هذه النظرة خاطئة بشكل قاطع ومضللة بل ومناقضة في تحقيق التنمية المستدامة والتقدمية نحو مجتمع مُرضٍ. تعتمد ريادة الأعمال على ما نقدمه نحو استنباط أفكار الناس وتحقيقها. الابتكار هو تجسيد لألف صوت متقاطع وينتج عنه اتفاق واحد لتنمية جماعية مجتمعية. إن إبداعنا هو انعكاس لكيفية مساعدة الآخرين في فهم آمالهم في المستقبل ومتابعتها. إن ريادة الشباب ليست مسعى لأفراد منفصلين، وإنما هي مصلحة جميع الشباب وإثراء أنفسهم من خلال بناء دورة تنمية مجتمعاتهم وبدافع من المشاركة العامة.
هناك عبء ثقيل يشعر به الشباب المغربي مع الخوف الذي يخبئه لهم المستقبل في قلوبهم. إن الوفاء بوعد إضاءة الطريق لمشاركة الناس وتطورهم أمر صعب ومضني حقًا، بدون يقين وبتقدم غير خطي. ومع ذلك، هناك سبب للامتنان عندما تدافع السياسات الوطنية عن دور الشباب في إحداث تغيير مستدام وترى أن مشاركة الجميع حيوية لهذا التغيير. والسؤال المطروح أمامنا هو: هل سنسلم أنفسنا لقضية الآخرين، وبالتالي إلى تعددية هائلة من الريادة مع كل الموارد التي تنطوي عليها من أجل السير في هذه الطريق؟
وعلى الرغم من أن الوقت يجلب لنا الفهم، فإنه ليس صديقنا في الوقت الحالي. هناك حاجة ماسة لهذه الدعوة في استكمال النموذج المغربي في تحقيق أخيرا ًالرضا المتبادل؛ في عطاء وأخذ ما تحتاجه حياتنا بشكل جدّي.
عالم اجتماع ورئيس مؤسسة الأطلس الكبير في المغرب
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t - F اشترك في حسابنا على فيسبوك وتويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية