نون والقلم

طارق تهامي يكتب: أحمد عودة يذهب إلى جوار النحاس

وفدى أصيل آخر يترك ساحة النضال ويذهب إلى جوار ربه.. أحمد عودة الرئيس الشرفي لحزب الوفد، وأحد شيوخه وحكمائه، يتركنا ويرحل، يتركنا نجتر ذكرياتنا معه ومع كل أساتذتنا الذين لا يمكن تعويضهم، مهما مر الزمن.

أخبار ذات صلة

أحمد عودة اختار الرقود إلى جوار زعيمه وزعيمنا مصطفى النحاس، هناك في هذه المساحة الطاهرة، في البساتين، حيث ضريح النحاس، وفؤاد سراج الدين، وإلى جوارهم على سلامة، وينضم إليهم أحمد عودة، وكل محبي النحاس وتلاميذه.

منذ عدة أشهر، كتبت عدة مقالات حول جنازة النحاس باشا، لتوثيقها، وطرحت تساؤلاً حول كيفية انتشار خبر وفاة الزعيم، رغم التكتيم عليه من سلطة يوليو، وفوجئت عقب نشر المقال الأول، والذي قلت فيه إن عدد الذين اعتقلوا في الجنازة بلغ 24 وفدياً، فوجئت باتصال هاتفي من عمنا وأستاذنا، المحامى الكبير أحمد عودة رئيس شرف حزب الوفد، وشيخ الوفديين، ليقول لي خلالها معلومة كانت تُقال للمرة الأولى.. قال عودة: إن جنازة النحاس قيل إنه خلالها اعتقل نظام عبد الناصر عشرات الوفديين، وهذا غير صحيح فقد تم اعتقال 600 وفدى (ستمائة شخص هتف باسم النحاس) وكان ذلك يوم 23 أغسطس عام 1965، وغير صحيح أن هؤلاء الوفديين، ومعظمهم من شباب الوفد، قد تم اعتقالهم لمدة 24 شهرًا فقط، ولكنني أقول لك الحقيقة التي حدثت، وهى أن هذه الاعتقالات التي أسميها (الجريمة الكبرى) كانت لمدة ست سنوات، وبعضها وصلت لسبع سنوات كاملة، ولم يتم الإفراج عنهم إلا بعد وفاة عبد الناصر، وتولى السادات الحكم وبعد إطلاقه لثورة التصحيح التي نتج عنها هدم المعتقلات.

وقال شيخ الوفديين أحمد عودة، إن من بين الذين تم اعتقالهم خلال الجنازة أحمد السقا، سكرتير النحاس باشا، ونجا من الاعتقال الشاب الوفدي، فؤاد عيد، الذي عمل محاميًا فيما بعد، ثم عضوًا بمجلس نقابة المحامين، ولهروبه قصة طريفة، حيث قامت قوات البوليس بإمساكه بقوة شديدة، من قميصه، فقام بخلع القميص، الذي تمزق خلال المقاومة، وخرج بجسده من ملابسه، وقام بالجري عاريًا من ميدان الحسين، إلى الأزهر الشريف، وانزوى في حواري الجمالية! وقال شيخ الوفديين: بالمناسبة.. ما زال فؤاد عيد حيًا يرزق، متعه الله بالصحة.

طبعًا.. ما قاله أستاذنا الراحل أحمد عودة، كان ولا يزال، يستحق التسجيل، لأن ما توافر عندنا من معلومات يتوقف عند ما سمعناه من الوفديين الذين عاشوا هذه الفترة، وما قرأناه في كتب التراث الوفدي، حول جنازة النحاس، وأن مدة حبس شباب الوفد لم تتجاوز 24 شهرًا.. القطب الوفدي الراحل على سلامة أحد الوفديين الذين تم اعتقالهم في جنازة النحاس قال في كتابه «ما لا يعرفه الناس عن الزعيم مصطفى النحاس» والصادر عام 1983 واصفًا جنازة النحاس…. «هتافات مدوية، وأكف مصفقة، حينما غادر نعشك السيارة التي أقلتك فتلقفتها الجماهير، كما كانت تتلقفك في حياتك بالأحضان والقبلات» وقال الأستاذ خالد محمد خالد في سرادق العزاء معلقاَ عما تركته الجنازة من انطباعات في نفسه «لقد رأيت مصطفى النحاس خطيبًا ولكنى لم أره أخطب منه في مثل هذا اليوم العظيم».. لقد كنت أروع خطيب وأعظم خطيب.. فألهبت مشاعر الشعب.. وكأنك تطالبهم بالبذل والفداء والتضحية في سبيل مصر والتمسك بالديمقراطية والحرية.. ولقد أثارت جنازتك الشعبية هذه حفيظة المسئولين.. فدفعت أنا وثلاثة وعشرون من إخواني الوفديين ثمناَ غاليًا بافتقادنا حريتنا لمدة تزيد على 25 شهراَ قضيناها في معتقلات القلعة وطره في المدة من 25-8-1965 وحتى 14-11-1967 والقراران الجمهوريان رقما 3432 مكرر لسنة 1965 و2026 لسنة 1967 خير شاهدين على ذلك».

إذن.. لدينا روايتان.. واحدة قالها أستاذنا أحمد عودة وقال فيها إن المعتقلين عددهم 600 ومدة الاعتقال وصلت إلى سبع سنوات، والرواية الثانية ذكرها أستاذنا على سلامة رحمة الله عليه، وقال فيها إن عدد المعتقلين 24 وفديًا وإن مدة الاعتقال بلغت 25 شهرًا فقط!

هكذا كان أساتذتنا يدرسون تاريخ الوفد بكل تاريخه، وتفاصيله، بلحظات رحيل زعمائه وقياداته.

رحم الله أساتذتنا الكبار.. رحمة الله على الرجل المحترم أحمد عودة.

‏tarektohamy@alwafd.org

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

 tF اشترك في حسابنا على فيسبوك  وتويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

Back to top button