عندما تتفاقم المشكلات وتتزايد التحديات في بعض الدول والمجتمعات الديكتاتورية، يتجه حكام هذه الدول إلى خلق صراعات وحروب خارجية للهروب من مواجهة هذه الأزمات، وشغل الرأي العام والضغط عليه بمزاعم مواجهة الخارج بالاصطفاف الوطني وغيرها من الشعارات الجوفاء، ويذهب البعض إلى تعطيل بعض المؤسسات وتقليص هامش الحريات وإغلاق وسائل الإعلام واعتقال المعارضين وملاحقتهم تحت مزاعم أن البلاد في حالة حرب،
وهى لعبة قديمة استخدمها كثير من الديكتاتوريين الذين تشبثوا بالسلطة على حساب شعوبهم ومقدرات دولهم.. هذا النموذج يتكرر في دولة تركيا على يد رئيسها أردوغان الذي كشفت السنوات القليلة الماضية عن ولعه بالسلطة والأخطر عن حلمه باستعادة المجد العثماني في وقت تعانى فيه الدولة التركية من مشاكل سياسية واقتصادية عميقة.
تركيا التي تعانى اقتصاديا وسياسيا الآن تحولت إلى عنصر مشترك في كل أزمات المنطقة على يد رئيسها أردوغان منذ أن كشف عن وجهه الحقيقي وعبث بالدستور التركي وحولها من دولة برلمانية إلى دولة رئاسية، حتى يستمر في السلطة بعد أن انتهت ولايته كرئيس للوزراء، وترشح على منصب الرئاسة. وحتى لا يكون رئيسا منزوع الصلاحيات قام بإدخال تعديلات كثيرة على الدستور التي تعطيه كافة الصلاحيات للسيطرة على السلطة والبلاد، ولم يتورع في حبس معارضيه والعبث بالسلطة التشريعية وأيضاً سلطة القضاء، وعزل عشرات الآلاف من وظائفهم.
ولم تسلم من بطشه وسائل الإعلام التي أغلق بعضها وشرد العاملين بها وحبس عددا كبيرا من الصحفيين، وجميعها إجراءات ديكتاتورية يرفضها غالبية الشعب التركي المغلوب على أمره، ولكنه عبر عنها وبوضوح خلال الانتخابات المحلية الأخيرة منذ عدة أشهر عندما سقط معظم مرشحي حزب أردوغان برغم كل التجاوزات التي حدثت في هذه الانتخابات وإعادتها مرة أخرى في بلدية إسطنبول.
واضح أن صدمة الانتخابات التركية لأردوغان وانهيار شعبيته الداخلية وسقوط حزبه المروع، قد دفعته لنقل معاركه خارج الحدود التركية في محاولة بائسة لاستعادة عرشه المتهاوي داخل تركيا عندما بدأ العبث داخل الحدود العراقية بزعم مواجهة الأكراد، وعندما واجه مقاومة شديدة وخسائر ومعهما تحذير أمريكي واضح تراجع عن استكمال مشروعه في العراق.. ثم عاد وكرر نفس التجربة بغزو شمال سوريا تحت نفس المزاعم لمواجهة أكراد سوريا، ومع احتلال جزء من شمال سوريا تتكبد قواته خسائر متلاحقة من أبناء الشعب السوري الذين يتمسكون بحقوقهم المشروعة على أرضهم.
فشل أردوغان في ملفات كثيرة منها علاقاته مع الاتحاد الأوروبي التي وصلت إلى حد التوتر، وكذلك تدخله في المياه الإقليمية لقبرص واليونان، وكذلك فشله في ملف العراق والسودان.. ثم فشله في ملف الإخوان المسلمين بمصر ورهانه عليهم وعلى كل الجماعات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط لم يتعلم منه حتى الآن، بدليل إقدامه على خطوة غير محسوبة وهى عقد اتفاق غير شرعي مع فايز السراج رئيس وزراء ليبيا التي انتهت شرعيته مع توقيع هذا الاتفاق.
وفي اعتقادي أن أردوغان والسراج كتبا نهايتهما بأيديهما عندما وقعا هذا الاتفاق، لأن الملف الليبي له حساسيته الخاصة بالنسبة لمصر ودول الشمال الإفريقي وأيضاً بالنسبة للاتحاد الأوروبي وعدما يعلن أردوغان عن استعداده لإرسال قوات تركية إلى ليبيا، فهذا إعلان صريح بالحرب على الأراضي الليبية مع الشعب الليبي والشعب المصري وكل شعوب شمال إفريقيا.. لأن الجميع يعي ويعلم أن البرلمان الليبي المنتخب شرعيا من الشعب الليبي وأيضاً الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر يواجهان ميليشيات وجماعات إرهابية، وقادر على هزيمتها وتطهير الأراضي الليبية منها.
ولكن عندما ينضم إليها قوات تركية، فهذا معناه وبوضوح وجود جيش نظامي يقاتل بجانب الجماعات الإرهابية، وهو تهديد مباشر لمصر وللاتحاد الأوروبي الذي يعانى من هذه الجماعات.. ومع أن الدول والمنظمات العربية والدولية شجبت هذا الاتفاق ولم تعترف به، إلا أنني أعتقد أنه بداية حل الأزمة الليبية لأنه كان بمثابة سقوط شرعية السراج أمام الشعب الليبي والمؤسسات الدولية بعد أن أقدم على خطوة غير محسوبة تعرض الدولة الليبية ومقدراتها لأطماع أردوغان والجماعات الإرهابية.
نائب رئيس الوفد
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t - F اشترك في حسابنا على فيسبوك وتويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية