نون والقلم

كمال بالهادي يكتب: بعد القدس.. الولايات المتحدة تمنح الضفة للاحتلال

في شهر سبتمبر الماضي، وقبيل الانتخابات التشريعية في الكيان الصهيوني، أعلن نتيناهو عن وعد انتخابي يتمثل في ضم غور الأردن إلى أراضي الثمانية والأربعين التي تحتلها إسرائيل، في حال فوزه في الانتخابات، و كان ذلك القرار هو بداية الإعلان الرسمي لاستعادة ضمّ أراضي الضفة الغربية التي استعادتها السلطة الفلسطينية عقب مفاوضات السلام في العام 1993.

و يأتي القرار الصهيوني بعد أن منحتها الولايات المتحدة الضوء الأخضر للاستيلاء على القدس الشرقية و اعتبار القدس عاصمة موحدة لدولة إسرائيل. منذ أيام قليلة أعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر للاحتلال الصهيوني لتسريع عجلة الاستيطان في الضفة، وذلك بعد تصريحات مارك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، التي قال فيها إن الولايات المتحدة لم تعد ترى في الاستيطان مخالفة للقوانين الدولية.

من القدس إلى الضفة

بعد أن أعلنت الولايات المتحدة اعترافها بالقدس عاصمة أبدية لدولة الاحتلال، وبعد أن قامت بنقل سفارتها إليها، سارع الكيان الصهيوني، إلى تشريع قوانين جديدة تسمح له بمزيد الاستيلاء على القدس وعلى الضفة الغربية، باعتبارهما أراضي إسرائيلية وقع التنازل عنها في اتفاقيات أوسلو. في الثاني من جانفي من سنة 2018، صادق لكنيست الإسرائيلي (البرلمان) على قانون «القدس الموحدة» الذي يمنع أي حكومة إسرائيلية من التفاوض على أي جزء من القدس إلا بعد موافقة غالبية نيابية استثنائية لا تقل عن ثمانين عضوا من أصل 120 (أي ثلثي أعضاء الكنيست). وقد جاءت المصادقة بعد أسابيع قليلة من اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل في السادس من ديسمبر من سنة 2017.

وفي الحقيقة يعود قانون القدس الموحدة إلى مصادقة الكنيست الإسرائيلي في ثلاثين جويلية 1980. ومن خلاله التزمت حكومات الاحتلال بإبقاء القدس تحت الاحتلال و منع التفاوض بشأنها.

ثم جاء قانون الدولة اليهودية والهدف منه طمس كل المعالم العربية سواء في الأراضي العربية داخل ما يمسى الخط الأخضر. ثم تتالت الإجراءات و القوانين التي تريد من خلالها حكومة الاحتلال بسط سيطرتها على كل أراضي فلسطين وإسقاط مشروع الدولة الفلسطينية.

ومنذ أسابيع  قدم أعضاء كنيست من أحزاب ائتلاف حكومة اليمين الإسرائيلية مشاريع قوانين تهدف إلى ضم مناطق واسعة في الضفة الغربية المحتلة إلى «إسرائيل» وفرض «السيادة» الإسرائيلية عليها. فقد تم  تقديم مشروع قانون يقضي بفرض القانون والنفوذ والإدارة الإسرائيلية على مناطق غور الأردن الذي يمثل 30 في المئة من مساحة الضفة الغربية، والكتلة الاستيطانية «غوش عتصيون»، الواقعة جنوب القدس المحتلة والمحيطة بمدينة بيت لحم، ومستوطنة «معاليه أدوميم» الواقعة شرقي القدس.

ويشمل مشروع القانون فرض «سيادة إسرائيل» على مستوطنات «معاليه أدوميم» و«غوش عتصيون» و«أفرات» و«بيتار عيليت» والتي تشمل مناطق صناعية ومواقع أثرية وطرقات، وعلى مستوطنات غور الأردن كافة. وكان حزب الليكود الذي يتزعمه رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، قد قدم أيضا، مشروعا قانون لفرض «سيادة إسرائيل» على غور الأردن وشمال البحر الميت. وقالت كتلة «كاحول لافان» برئاسة بيني غانتس، ردا على إعلان نتنياهو، إن «كاحول لافان أعلنت أن غور الأردن هو جزء من دولة «إسرائيل» إلى الأبد. ويقضي مشروع القانون بحصول الفلسطينيين في غور الأردن على المواطنة الإسرائيلية في غضون عشر سنوات، منذ سن مشروع قانون فرض «سيادة إسرائيل» على الأغوار، شريطة عدم وجود إدانة بـ«مخالفات أمنية» أو دعوة علنية لمقاطعة «إسرائيل».

تهويد الضفة

إعلان بومبيو عن أن الولايات المتحدة لم تعد ترى في الاستيطان مخالفة للقوانين الدولية، لم يأت من فراغ، فسياسة الاحتلال قد مرّت إلى السرعة القصوى، إذ شهدت الأيام الأخيرة شروع الحكومة الإسرائيلية بتنفيذ سلسلة من المشاريع طويلة الأجل تمهيدا لتطبيق سيادتها على الضفة الغربية، عبر خطة استيطانية واسعة النطاق تشمل شق شوارع جديدة، وتفعيل القطارات والمواصلات العامة على الطرق الاستيطانية، للإسهام في فرض السيادة عليها، ويقود هذه الخطة وزير النقل والمواصلات بيتسلئيل سموتريتش، أحد قادة المستوطنين.

ويخفي هذا المخطط الاستيطاني رغبة جامحة لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي يدرك أن الانتخابات الثالثة قادمة لا محالة، ويسعى للامتثال لطلبات المستوطنين بكل ثمن، في حين أن الوزراء اليمينيين يسعون لتحسين مواقعهم الانتخابية على حساب الفلسطينيين عبر هذه المشاريع الاستيطانية. علما أنّ هناك توجهات إسرائيلية عامة لتعزيز الاستيطان، لاسيما في مناطق الأغوار وجنوب الضفة، بجانب مناطق «ج» التي تشكل مساحتها 55% من إجمالي الضفة، وتخضع لسيطرة إسرائيلية كاملة، مع 422 تجمعا استيطانيا ومستوطنة ومعسكر جيش وفضاء سيطرة، تحوز 78% من مساحة الضفة.

ويسعى هذا المشروع الاستيطاني على المدى البعيد لتهويد الضفة على حساب الفلسطينيين، وقتل حل الدولتين، وقطع الطريق أمام أي مفاوضات قادمة، لأن «إسرائيل» بهذه الحالة فرضت وقائع على الأرض، وبعد أن كانت تطلق قبل عدة سنوات وصف مستوطنات «معزولة» على بعض التجمعات الاستيطانية، تمهيدا لإزالتها في أي حل سياسي قادم مع الفلسطينيين، لكنها اليوم تقوم بتسمين هذه النقاط الاستيطانية، وتضخيمها، تمهيدا للسيطرة الكاملة على الضفة بأسرها.

الناظر لهذه المشاريع الاستيطانية، وآليات تنفيذها على أرض الواقع، سيخرج بنتيجة مفادها أن تحقيقها يتطلب تفتيت أراضي الضفة، وتشتيتها بين كل مدينة فلسطينية وأخرى عبر عشرات المستوطنات، تمهيدا لإعلان دولة الاستيطان، وتبعاتها على مختلف مناحي الحياة الفلسطينية: الزراعية والاقتصادية والسير على الطرقات، وقضم المشاهد الخضراء التي تمتاز بها الضفة.

و تأخذ المشاريع الاستيطانية الجارية بهذه المرحلة أربع مناطق جغرافية: الأغوار، القدس ومحيطها، جنوب فلسطين، والوسط وصولا لمناطق التماس، مما يعني تغولاً وسيطرة احتلالية مقابل فشل السلطة الفلسطينية بتحقيق تمدد جغرافي بشري للفلسطينيين. لذلك يبدو من الصعوبة بمكان الحديث اليوم في ظل هذا المخطط الاستيطاني الجديد عن دولة فلسطينية فيما تبقى من مساحة جغرافية في الضفة، سواء غياب اتصالها مع غزة، أو عدم وجود كينونة مستقلة، باستثناء قيام كونفدرالية أو فدرالية مع الأردن، وصولا لفقدان القدرة على التواصل الجغرافي داخل الضفة ذاتها.

مع العلم أن هذا المشروع الاستيطاني الجديد يضاف لخمسة أحزمة استيطانية: شمالا ووسطا وجنوبا، تقسم الضفة بأسرها، يقيم فيها سيلا بشريا من المستوطنين يصل عدده 700 ألف، وإسرائيل تسابق الزمن لإيصاله إلى مليون مستوطن.

 

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
  tF اشترك في حسابنا على فيسبوك  وتويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى