عندما خطت مصر نحو الحداثة وأطلت على العصر بعيون محمد على وخلفائه كان تشكل القاهرة الحديثة ونفض غبار الظلام والحصار والبؤس عن القاهرة المملوكية ومحاولات دمج المسارات بين القاهرتين، وكان حي الحلمية الجديدة في طليعة أحياء القاهرة الحديثة بقصر الوالي عباس الأول قصر الإلهامية وتخطيط الحدائق والمدارس حولهما وصولاً لجامع الماس الحاجب وسكن كبار وزراء مصر ومخططي القاهرة، ففيها أقام على مبارك شيخ مهندسي مصر ورئيس الوزراء القريب للناس توفيق نسيم.
ولعل الحلمية أيضًا كانت المحاولة الأولى والأكثر نجاحا في الدمج التنفيذي والاجتماعي بين القاهرة التاريخية القديمة والقاهرة الحديثة العصرية فمجاورتها للدرب الأحمر والخليفة من جهة وحى الإسماعيلية باب اللوق وعابدين وجاردن سيتي من ناحية أخرى جعلها ممرًا وصلة مفتوحة بينهما وكان الانتقال التدريجي للأمراء والأثرياء من الحلمية إلى جاردن سيتي وأيضًا كبار الموظفين والمتعلمين والتجار من الدرب الأحمر والخليفة إلى الحلمية وكان دخول الترام الممتد من شبرا إلى العتبة إلى محمد على، وكذا حنفيات المياه النقية، ثم خطوط المياه وغاز الاستصباح تجدهما في باب اللوق والحلمية.
وتزدحم الحلمية الجديدة بمدارسها ولا عجب فهي بقعة إقامة على مبارك أبو التعليم في مصر، ففيها أكثر من 14 مدرسة بمختلف المراحل وتتقاطع شوارعها بصورة متعامدة كرقعة الشطرنج طبقًا لتقسيمها العصري، وطبقاً لسياسات تزييف القاهرة بأكملها في الستينيات فنال الحلمية ما نال غيرها من عشوائية وتدنى مستوى الخدمات والمرافق ومع السبعينيات ونمو القاهرة العشوائي نحو المناطق الزراعية المتاخمة وحدث انتقال من البساتين وأراضى المعادى الجديدة إلى الحلمية وأيضًا مع سنوات البترول والعمل الخليجي انتقل أبناء الحلمية إلى المقطم وغيرها وحدث إحلال وتبديل وارتفاع حاد في الكثافات السكانية لم يلق أي اهتمام أو استعداد أو خطط لاحتوائه مما كان له أسوأ الأثر في انهيار البنية الأساسية في الشوارع والاعتداء المتكرر على خطوط التنظيم والارتفاعات المحددة في فساد متعمد وإهمال مستمر.
وتوالى محافظي القاهرة الذين لم يحملوا أبداً تراثا أو انتماء لتاريخ القاهرة الممتد وآثارها الهامة المتعددة وخصوصية مناطقها وسماتها فلم يضعوا رؤية ولا خططاً تنفيذية لمواجهة كوارث الترييف والزيادة السكانية الرهيبة والانهيار التعليمي وانعكاس كل هذا في ظواهر البلطجة ومخالفة القانون بالقوة فضلاً عن اختفاء المتابعة الشرطية الجادة الحقيقية. ولم ينتبه أي من رؤساء الأحياء ومساعديهم إلى ضرورة تحديد اتجاهات المرور في الشوارع الداخلية لا سيما للأحياء المخططة فى شوارعها مثل الحلمية الجديدة وشبرا والضاهر والزيتون وغيرها وان يكون هناك رقابة صارمة في تطبيق الاتجاهات لأن هذا كفيل بمواجهة الزحام لاسيما فى ظل كارثة التوك توك واحتلاله للقاهرة، وفى ساعات الذروة مع خروج المدارس تبدو بوضوح حاجة شوارع الحلمية إلى تحديد اتجاهات سير وتخصيص شوارع لمسار بعينه وشوارع أخرى للمسار المضاد وهناك من الشوارع المتعددة ما يكفل استيعاب الحركة ولكن بشرط الجدية بعيد عن التسلط والفساد والعمل على تحويل المسطحات الخالية لجراجات ومغاسل للتكاتك لمواجهة احتلال الشوارع وأعمال البلطجة السائدة على أيديهم.
ومن المحزن والمؤسف هذا الاختفاء الكامل للقانون والمحليات في ظل أن تبقى المحلات مفتوحة تمارس نشاطها طوال الليل وصولا للصباح وان تمارس أنشطة غير مسموحة فتجد ورش الميكانيكية غير المرخصة وورش التوك توك وأعمال مغاسل في شوارع الحلمية تمارس عملها من العصر لما بعد الفجر في غياب متعمد للرقابة الواجبة وفى نشر للعشوائية وللبلطجة التي أصبحت طريقاً وممارسة فكانت مخالفات البناء بارتفاعات غير مسموحة وممارسة أنشطة عير مرخصة في غير أوقات العمل في اعتداء بالغ الفجاجة على حق السكان في حياة طبيعية بعيدًا عن أصوات وأفعال وتحرشات البلطجة والارتشاء والفساد فهل يتحرك رئيس الحي أو يسمع المحافظ أو ينهض الوزير في مواجهة مسلسل تدمير الحلمية الجديدة والقاهرة العاصمة؟!!
نائب رئيس حزب الوفد
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t - F اشترك في حسابنا على فيسبوك وتويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية