تجاوزنا، منذ أيام، الذكرى الواحدة بعد المائة، على عيد الجهاد، المقدمة والإرهاصة المقدسة، التي أشعلت الثورة الأعظم في تاريخ مصر، ثورة 1919 التي خاضها الشعب المصري في مواجهة أقوى جيش في العالم، وقتها، متسلحًا بإيمانه، ورغبته في الحرية، متمسكًا بحقه في إدارة شئونه، مقدمًا زعيمه سعد زغلول، كمتحدث رسمي باسم المصريين، لتبدأ رحلة حزب الوفد المصري، التي لن تنتهي، من أجل وطن حر، ديمقراطي، وعادل!
كان سعد زغلول دليلًا للثوار وأبًا روحيًا لهم، أو كما قال عنه غاندي الزعيم الهندي العظيم: «سعد زغلول معلمي».. فقد كان «سعد» قائدًا لحركة شعبية طاغية في مطلع عصر التنوير الذي فجرته الثورة وكان زعيمًا متسامحًا مع الآخر.. وراعيًا رسميًا لمبدأ الوحدة الوطنية، فكان دائمًا هو «نازع فتيل الفتنة».. أبدًا.. لم يكن سعد مجرد رجل اختاره الناس زعيمًا.. ولكنه صانع ثورة منظمة تطلب الاستقلال.. تعالوا نقرأ ما كتبه المؤرخون عن ثورة 19 التي كانت تديرها أربع طبقات من القيادات القوية التي وضعت أمامها هدفًا واحدًا اسمه الثورة.. وحققته.
مصطفى أمين قال في كتابه عن الثورة الأم إن سعد زغلول ترك ورقة كتب فيها: «اذا اعتقلت الطبقة الأولى من قيادات الثورة تقوم الطبقة الثانية، فإذا اعتقلت تقوم الثالثة، وإذا اعتقلت تقوم الرابعة»، وهذا يعنى أن سعد زغلول كان يخشى من القضاء على الثورة باعتقال قياداتها أو بنشر الفوضى التي قد لا تجد من يتحكم فيها، فوضع أربع طبقات من القيادات.. وكان دور هذه الطبقات واضحًا عندما ثار الشعب للمرة الثانية عام 1921.. فقد تم اعتقال أعضاء الطبقة الأولى والتي كانت تضم «سعد زغلول ومصطفى النحاس وسينوت حنا وفتح الله بركات وعاطف بركات ومكرم عبيد»، لاحظ أنهم أربعة مسلمين واثنان من الأقباط، فقد تم اعتقال هذه الطبقة، فاندلعت الثورة في جميع أنحاء البلاد.
وظهرت الطبقة الثانية وكانت تضم: مرقص حنا وحمد الباسل ومراد الشريعي وعلوي الجزار وانضم لهم ببرقية من جنيف على الشمسي وأصدرت بيانًا دعت فيه إلى مقاطعة الإنجليز.. فتم القبض على أعضاء هذه الطبقة وصدر في حقهم حكم بالإعدام.. فظهرت الطبقة الثالثة والتي ضمت: المصري السعدي ومصطفى القاياتي وسلامة ميخائيل ومحمد نجيب الغرابلي وراغب اسكندر وفخري عبد النور ومحمود حلمي إسماعيل فتم تحويلها لمحاكمة عسكرية بتهمة التآمر على نظام الحكم.. فتظهر الطبقة الرابعة وتتكون من: حسن حسيب وحسين هلال وعطا عفيفي وعبد الحليم البيلي ومصطفى بكير وإبراهيم راتب.
لم يكن سعد زغلول رجلًا يائسًا، بل كان مناضلًا لا يتوقف عن الكفاح من أجل وطنه وحريته، ولذلك لا نجد صحة للمقولة التي يرددها المصريون على لسانه عندما قال «مفيش فايدة» فهي دعوة لليأس لم يطلقها سعد من أجل العمل الوطني ولكنه كان يقصد أن حياته انتهت بعدما سيطر عليه المرض.. فقد اشتد عليه وبات على يقين بأنه هالك لا محالة فقال لزوجته صفية زغلول وهى تحاول إعطاءه الدواء.. مفيش فايدة.
وتناقلها المصريون على أنه يعنى أن الإنجليز لن يخرجوا من مصر.. فقد كانت مقولة سعد يتم تداولها بسرعة البرق وساعد الإنجليز على تدعيم فكرة نشر المعنى السلبي للمقولة ولكن سعد لم يكن يقصد إلا نفسه وقد مات فعلًا بعدها بأيام ليبقى رمزًا وطنيًا علم الناس معنى الثورة حتى أنه أصبح نموذجًا للثائر المصري الذي لا تموت ذكراه مع جسده، بل ظل علامة في التاريخ والوجدان والذاكرة المصرية.
كان سعد أستاذًا للثورة بمفهومها الواسع.. ثورة ضد الحاكم الظالم.. وضد الفقر.. وفى مواجهة الجهل.. باقتصاد قوى ومؤسسات علمية راسخة وحريات لا تتوقف إلا عندما تصطدم بحقوق الآخرين.. وكان يهدف من وراء الثورة عملًا ومستقبلًا لا يهتز.. وتماسكًا وطنيًا لا يصاب بشرخ.. ويدًا تبنى لا تهتز.. فهو أستاذ الثورة وعلمها ونموذجها الأكثر شهرة وبقاءً فى وطن عرف الثورة بعده بما يقرب من مائة عام!
سعد زغلول.. قيادة نادرة.. تمكن من تعليم الشباب كيف يثورون على الظلم والطغيان.. وكيف يقولون للحاكم نحن أصحاب البلد.. أو كما قال لهم يومًا: «إنكم أنبل الوارثين لأقدم مدنية في العالم وقد حلفتم أن تعيشوا أحرارًا أو تموتوا كرامًا» كان يقوم بتدريس الحرية في كل كلمة فكان استاذًا لمنهج جديد يدق باب الوطن اسمه «الليبرالية» كان يمثل مرحلة جديدة من تاريخ مصر.
tarektohamy@alwafd.org
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t - F اشترك في حسابنا على فيسبوك وتويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية