نون – دبي
شهد اليوم الأول للاجتماعات ورشة عمل والتي تنظمها الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالتعاون مع نادي دبي للصحافة ومؤسسة وطني الإمارات في دبي خلال الفترة من 17-19 نوفمبر الجاري، والتي حملت عنوان« دور الإعلام في الترويج للخطاب الديني الوسطي ومكافحة الإرهاب» قدمت خلالها دول: الإمارات، ومصر، والعراق، بالإضافة إلى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الكسو»، أربع أوراق عمل تمحورت حول التصدي للإرهاب ونبذ الكراهية والتحريض، وتفعيل الخطاب الديني الوسطي، وتدعيم الدور الإيجابي للإعلام لمواجهة تلك الآفة الخطيرة التي تستهدف النيل من المجتمعات ومقدرات الشعوب.
ترأس ورشة العمل معالي الوزير المفوض د. فوزي الغويل، مدير إدارة الأمانة الفنية لمجلس وزراء الإعلام العرب بجامعة الدول العربية، وسعادة ضرار بلهول الفلاسي، المدير التنفيذي لمؤسسة وطني الإمارات، الذي قدم خلال الورشة ورقة العمل الإماراتية، كما قدم صالح عبد السميع الصالحي، عضو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في جمهورية مصر العربية ورقة العمل المصرية، أما ورقة العمل العراقية فقدمها عصام عباس أمين، مدير قسم المصادر العلنية وزارة الدفاع – العراق، وقدم ورقة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الكسو» د. محمد محمود الطناحي، رئيس قسم البحوث والدارسات في المنظمة.
الإمارات والتسامح
وتحت عنوان «كيف جذّرت الإمارات ثقافة التسامح في مجتمعها بين المواطنين والمقيمين» استعرضت ورقة العمل الإماراتية تجربة دولة الإمارات في نشر وتعزيز ثقافة التسامح الفريدة من نوعها، وتحويل قيادتها الحكيمة للتنوع الثقافي لمجتمع الإمارات إلى فرصة ذهبية استفادت منها لبناء جسور المودة والتآلف بين مختلف الجنسيات والثقافات المتواجدة على أرضها.
ونوّه ضرار بالهول خلال عرضه لمضمون الورقة أن القيادة الرشيدة لدولة الإمارات رسّخت مفاهيم التسامح من خلال العلاقة الوطيدة بيها وبين أفراد المجتمع، ومحبة الناس للحكام والرغبة بالاقتداء بهم واعتبارهم نموذجا أخلاقيا يحتذي به، مشيراً أن المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، كان الأنموذج الأمثل في هذا المجال، وعلى نهجه تسير اليوم القيادة الإماراتية الحكيمة.
وأكد بالهول أن الدولة اعتمدت منذ بداياتها خطاباً دينياً وسطياً أسهم في تعزيز ثقافة التسامح بين الناس وتقبل الآخر دون انتقاص من العقيدة والثوابت، وبما يتواءم وأحكام الإسلام الحنيف. وفي محور التشريع، تحدث بلهول عن المنظومة التشريعية والقانونية القوية والمرنة لدولة الإمارات وقدرتها على حماية وتعزيز قيم التسامح من خلال مجموعة من القوانين المستمدة من دستور دولة الإمارات، مشيراً إلى القانون رقم (2) لسنة 2015 القاضي بتجريم الأفعال المرتبطة بازدراء الأديان ومقدساتها، ومكافحة كل أشكال التمييز ونبذ خطاب الكراهية.
وأوضح بالهول أن الخطاب الإعلامي المتزن يُعد أحد أهم نتائج الوسطية في تغطيته لمختلف الجوانب السياسة أو الاقتصادية أو المجتمعية أو الدينية أو الثقافية، في حين تنتهج كافة وسائل الإعلام الإماراتي منهجاً متزنًا يحترم ثقافة المجتمع وعقل المتلقي، مشيراً أن دولة الإمارات حرصت على غرس قيم التسامح في الأجيال الناشئة من خلال إدماج مفاهيم التسامح والتعدد وعدم الكراهية والبعد عن التمييز، كمفاهيم مضمنة في المناهج الدراسية بما يتفق مع القيم الوطنية التي تتضمن قيمة التعايش واحترام الآخر.
وأختتم بالهول بالتأكيد على دور دولة الإمارات في تعزيز قيم التسامح ليس على الصعيد المحلي والإقليمي فحسب بل كذلك على مستوى العالم، فكانت أول دولة تطلق وزارة للتسامح، وأول دولة عربية توقع على إعلان المبادئ بشأن التسامح الذي اعتمدته منظمة اليونسكو عام 1995، كما أعلنت دولة الإمارات عام 2019 عاماً للتسامح، وأنشئت المعهد الدولي للتسامح، وأطلقت جائزة الشيخ محمد بن راشد الدولية للتسامح، ما يعزز الجهود الوطنية في هذا السياق وقيادتها في إطار تحويل التسامح من قيمة مجتمعية إلى عمل مؤسسي.
وأشار سعادة ضرار بالهول إلى احتضان دولة الإمارات لتوقيع فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف وقداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية “وثيقة الأخوة الإنسانية ” في فبراير الماضي والهادفة إلى تعزيز العلاقات الإنسانية وبناء جسور التواصل والتآلف والمحبة بين الشعوب والتصدي للتطرف وسلبياته بحضور وأكثر من 400 من قيادات وممثلي الأديان وشخصيات ثقافية وفكرية من مختلف دول العالم.
الخطاب التحريضي
وتناولت الورقة العراقية التي قدمها عصام عباس أمين بعنوان «الخطاب التحريضي ودوره في تنمية موارد الإرهاب» الخطاب التحريضي لتنظيم داعش الإرهابي الذي وصفه بأنه أقوى خطاب تحريضي على الإرهاب والكراهية والعنف.
وأوضح أمين أن العمليات العسكرية في العراق حررت المدن والأرض لكن الخطاب الداعشي مازال موجودا في العالم الافتراضي عبر منصاته الكثيرة، ويشكل ذلك تحديا عالميا، فرغم عمليات الحجب المستمرة، إلا أن داعش تتمكن من إعادة المواقع الالكترونية التي يتم غلقها، أو استحداث بدائل عنها، وكلها تبث الأفكار وتسمم العقول، ما يضع الدول أمام مجموعة من التحديات أبرزها مواجهة الخطاب المحرض على العنف والكراهية، وقطع وسائل إيصاله إلى المتلقي، وكذلك تحدي تزييف الحقائق بما يتعلق بالدين الإسلامي، ومواجهة العنف الناجم عن هذا الخطاب ومنع استمراره متاحاً أمام الجميع في العالم الافتراضي.
واستعرضت الورقة العراقية العديد من الأمثلة للخطاب الداعشي المتطرف، وطرق بثه وترويجه للأفكار الخبيثة المضللة من خلال الإصدارات، والأناشيد، والخطب، والرسائل التي أنتجت مجتمعة عقولاً دمرت ليس حامليها فحسب بل مجتمعات كبيرة ودول عريقة شاءت الأقدار أن يكون العراق ساحة المواجهة الأولى لها، فقد داهم داعش العراق بالموت، وليس أمام الشعب العراقي سوى أن يتصدى له بقوة وإرادة الحياة.
الإعلام ومكافحة الإرهاب
وناقش صالح عبد السميع الصالحي – عضو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام – مصر، من خلال ورقة العمل المصرية «دور الإعلام في الترويج للخطاب الديني الوسطي ومكافحة الإرهاب» مشدداً على ضرورة تجديد الخطاب الديني وأنه بات ضرورة حتمية لإيضاح الصورة الصحيحة للإسلام، وتحصين الشباب من الوقوع في براثن الفكر المتطرف ومحاربة الإرهاب.
وأشار الصالحي إلى أن الدول حالياً في حالة صراع عقلي وفكري مع أصحاب الأفكار المتطرفة وأنه لا مفر من أن يضطلع الإعلام بقضية تجديد الخطاب الديني من خلال عرضة بالطريقة المثلى وإيصاله للعقول والقلوب، من خلال صياغته بطريقة تتناسب مع طبيعة الوسيلة الإعلامية.
وأوضح عضو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، مصر، أن دور الإعلام في تجديد الخطاب الديني يتلخص في عدة مسؤوليات أهمها: توضيح ماهية مصطلح الخطاب الديني، ورصد التطور في الخطاب الإعلامي الديني لرصد الواقع وتحديد نقاط القوة والضعف في البرامج والمواد المقدمة، والاهتمام بالشباب وقضاياهم، والعمل على توعيتهم بالمفاهيم والقيم الإسلامية الصحيحة.
وشدد على ضرورة عمل الإعلام على محو الأمية الدينية لدي بعض فئات المجتمع، والدعوة إلى سرعة الانتهاء من وضع إستراتيجية تجديد الخطاب الديني التي تعمل عليها المؤسسات الدينية وعلماء الدين المتخصصين في هذا الإطار، إضافة إلى تحصين المسلمين في مواجهة الأفكار المتطرفة من خلال ترسيخ مبدأ الوسطية، والتركيز على قيم الإسلام السمحة وعرس الانتماء وتعزيز المشتركات الإنسانية.
التطرف الديني
أما الورقة الرابعة التي قُدمّت خلال ورشة العمل المنعقدة ضمن أعمال اليوم الأول للاجتماعات الدورية لجامعة الدول العربية فكانت للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وعرضها د. محمد محمود الطناحي، رئيس قسم البحوث والدارسات في المنظمة، تطرق خلاها لمفهوم التطرف وانواعه ومظاهره، وأشكاله، موضحاً أسباب التطرف التي أجملها في الفقر والبطالة، والاضطهاد والإحساس بالظلم، وإحباط الشباب، والفهم الخاطئ للدين، وانخفاض المستوى التعليمي، وتطوّر تكنولوجيا الإعلام والاتصال والتي أصبحت في السنوات الأخيرة متهمة بالقيام بدور كبير في دفع الشباب للانتماء للتنظيمات المتطرفة والإرهابية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
وأستعرض الطناحي مفهوم التطرف الديني والإرهاب، كما تناول ماهية ما يعرف بالتطرف الديني الإلكتروني، حيث اتجه المتطرفون خلال السنوات القليلة الماضية إلى الاستفادة من وسائل التكنولوجيا الحديثة في عرض أفكارهم والتواصل مع كوادرهم.
وتناولت ورق عمل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم الجهود التي تبذلها بعض الدول العربية في مجال تجديد الخطاب الديني المعاصر، والتصدي للإرهاب وخطاب الكراهية والأفكار المضللة الهادفة من النيل من الشباب العربي، وعلى رأسها الإمارات والسعودية ومصر، كما تطرق إلى الخطاب الديني المعاصر في أوروبا وتحديداً في دول مثل بلجيكا، وفرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، والدانمارك، واتهام بعض المساجد فيها بنشر الأفكار الإرهابية، واتجاه بعض الدول إلى تعزيز الهوية الوطنية بإعطاء مساحة أكبر للأئمة ذوي الأصول الأوروبية، وتدريبهم على اكتشف الميول الإرهابية، كما اتجهت بعض الدول التي تعيش فيها جاليات مسلمة كبيرة إلى اعتماد أئمة معتمدين من الاتحادات والمنظمات الإسلامية المعروفة في أوروبا لتجنب الأفكار المحرضة على العنف والكراهية.
t - F اشترك في حسابنا على فيسبوك وتويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية