فاجأ المستشار بهاء الدين أبو شقة، رئيس الوفد، المصريين، ببيان أعلنه، أمس الثلاثاء، عن تشكيل ائتلاف سياسي وانتخابي، يحمل اسم « الائتلاف الليبرالي المصري » لينتقل بنا جميعًا إلى خطوة مهمة طال انتظارها، وهى ضرورة تضامن أصحاب الفكر والمنهج الواحد، لخوض الانتخابات القادمة، بقوة تتناسب مع آمال أنصار التيار الديمقراطي، في تحقيق أهداف المنهج الليبرالي المتمثلة في ترسيخ مفاهيم الحريات العامة، وتداول السلطة بالطريق السلمي المعروف وهو صندوق الانتخابات، ونشر أدوات الاقتصاد الحر وآليات السوق العادلة، وتفعيل خطى الاستثمار غير المقيدة بالروتين المٌعطل، الذي يؤدى إلى هروب رؤوس الأموال إلى الخارج، بالإضافة إلى الاهتمام بالتعليم كوسيلة رئيسية لدفع البلاد إلى مواجهة تحديات المستقبل.
هذا الائتلاف «الضرورة» جاء في وقته، لأننا في حاجة إلى تأكيد أن الحريات العامة هي إحدى وسائل تقدم الأمم، وأن الديمقراطية هي كلمة السر عند الدول الناجحة.. وأن الاقتصاد الحر مكانه وسط مناخ ليبرالي وديمقراطي حقيقي.. وليس في ظل تهميش الديمقراطية أو غيابها.
الليبرالية لمن لا يعرفها، تعنى الحرية والمساواة وتكافؤ الفرص، وحق جميع المواطنين في التنافس بمجال الاقتصاد والسياسة، بلا احتكار للمال ولا السلطة.. فجميع المواطنين سواء أمام القانون، الذي يجب أن يكون عامًا يطبق على كل الناس ومجردًا لا يصدر من أجل شخص بعينه ولا حالة بعينها.
نعرف أن هناك حملة شرسة على الليبراليين في مصر يقودها أصحاب نظريات ومناهج أخرى، بسبب انفجار الثورة الشعبية يوم 25 يناير ثم ثورة 30 يونيه على أيدي شبان صغار في السن يعتنقون الليبرالية منهجًا.. ونجحوا فيما فشل فيه غيرهم من أصحاب المدارس الأخرى، وتحديدًا التيار الديني، بعد سنوات طوال، من عملهم وسط الجماهير.. والهجوم المنظم الذي يمارس على الليبراليين، هو جزء من هذا المخطط، الذي يستهدف تفريغ الساحة من دعاة الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة!
ولكننا يجب أن نعترف بالأزمة التي يعانى منها الليبراليون الكلاسيكيون في مصر، وهى أنهم بلا قيادة موحدة، وترجع هذه الفوضى التي يعانون منها، إلى طبيعة المنهج، الذي لا يعتمد قوالب ثابتة، وعندما ظهر الشبان الذين يعتنقون الليبرالية منهجًا، دون الانتماء لتنظيم سياسي، ثبتت الحاجة إلى توحيد صفوف الليبراليين المصريين، في اتحاد أو ائتلاف يضم كل الفصائل الليبرالية، حتى تتمكن من الدفاع عن نفسها لأنها السبيل لنهضة هذا الوطن، الذي يجب أن يظل حرًا، حتى لا يعود مرة أخرى للوراء! وأيضًا يجب أن نعترف بأن قدرتنا على إقناع الشباب الليبرالي، على الانخراط في العمل الحزبي المنظم، مازالت محدودة، لأسباب عديدة، بعضها نحن مسئولون عنها، ومعظمها خارج إرادتنا، ولكننا يجب أن نناقش أدوات تحسين البيئة الحاضنة للعمل الديمقراطي، حتى نشجع الأجيال الجديدة، على ممارسة العمل العام، دون تردد.
والسؤال الذي يجب طرحه الآن هو: هل الليبرالية تواجه أزمة في مصر؟! الإجابة.. نعم! لأن أنصارها مازالوا يتعاملون مع المنهج باعتباره ضرورة يجب على الناس إتباعها، دون جهد حقيقي يبذله هؤلاء الأنصار، لتمهيد الأرض وتطبيق المنهج، من خلال وجود ظهير جماهيري أكبر! لا يكفى أبدًا أن ينتشر المنهج وسط المتعلمين والمثقفين، ولكن يلزمه حجم انتشار أكبر وسط البسطاء، الذين مازالوا يتعرضون، لعملية مسح أدمغة، وتحريض ضد المنهج، وقادته، ورموزه، ويكفى أننا نواجه كل يوم عمليات تشويه، صحيح لم تقنع معظم الناس، وأغلبيتهم الساحقة، ولكنها تمنح قبلة حياة جديدة، لتيار يستغل الدين ويعيش على التجارة فيه، وهذا هو الخصم الحقيقي الذي يجب مواجهته بالحجة، والفكر، وهزيمته، حتى ينقرض، ليصبح الدين لله والوطن للجميع!
تجار الدين يطلقون أكاذيبهم على المقاهي والشوارع والمنتديات الصغيرة وصفحات الفيس بوك، وكأن هؤلاء المفكرين الجدد لا يعرفون كيف يفكر العالم، ولا يفهمون أن وسائط التفكير السليم لا تتعارض عادة مع الدين، بل تتلاقى معه إذا فهمنا كيف نختلف ونناقش الأفكار بلا تعصب أو تمسك برأي واحد ووحيد، فالليبرالية تدعونا إلى التفكير، والإيمان بحق الآخر في أن يقول رأيه دون حجر عليه، أو تسلط، أو قهر، أو تكفير!
يجب توجيه رسالة الائتلاف الليبرالي المصري إلى الجميع، رجال الأعمال، والتجار، والمواطنين الذين يجب أن يشعروا بأن توجهات الائتلاف تمسهم، من خلال تشريعات يجب أن يتبناها الائتلاف لتحقيق العدالة الاجتماعية بخطى متسارعة، ويجب قبل هذا وذاك، أن يتبنى الائتلاف، خطة صارمة لتفعيل دولة القانون، التي لا يستقيم وجود المنهج الليبرالي دونها.
tarektohamy@alwafd.org
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t - F اشترك في حسابنا على فيسبوك وتويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية