توسع محمد على وأنشأ قصر شبرا وقام بتوصيل مياه الري إلى المناطق المتاخمة للقصر بحفر الترعة البولاقية ولم يكد يمضى أكثر من سبعة عقود حتى اختفت الترعة وأصبح حي شبرا العامر المكتظ والمزدحم بسكانه.
وأصر إسماعيل على تحديث وتوسعة القاهرة فأزال تلول الفجالة وردم بركة الرطلى وظهرت منطقة الضاهر وشق شارع الفجالة وطهر منطقة باب اللوق وقسمها شوارع مربعة متقاطعة… وشق شارع محمد على وأقام شارع الهرم… إلخ… كان مدير تنفيذ أعمال الحداثة وشق القاهرة الجديدة المهندس على مبارك ابوالحداثة والتعليم أيضا في مصر الذي نسق شوارع محمد على وربطها بميدان الرميلة – القلعة – ونسق الحلمية الجديدة وأقام أيضا فيها في منزله الذي اندثر في استمرار لظواهر الإهمال البين السائدة في بلادنا.
ظلت عملية الدمج بين القاهرة الحديثة في وسط البلد والقاهرة التاريخية القديمة تواجه معضلات التواصل التنفيذي إنشائيا والاجتماعي ثقافيا — وتطورت أعمال التنفيذ في توصيل المياه النقية من وصول حنفيات رئيسية في مختلف المناطق واستمرار عمل السقا إلى وصول المياه بواسطة المواسير إلى البيوت وقد سارت تلك الأعمال بالتوازي ما بين القاهرة الحديثة والقاهرة القديمة… وظلت أعمال توسعة طرق وإزالة تجمعات متهدمة تسير ببطء في القاهرة القديمة وتراجعت تماما مع بداية حقبة يوليو واختفت رؤية التنمية المستدامة للأحياء القديمة وتطويرها وتوسعتها للاستمرار والدمج المجتمعي للعاصمة ككل.
والأنكي أن عمليات التدهور لم تطل القاهرة القديمة فحسب بل زادت وتوسعت في القاهرة الحديثة في تركها فريسة للهجرة الداخلية وعدم تنظيمها والتحول نحو العشوائية المتزايدة باحتلال الفراغات الهندسية بين البنايات وشغل الممرات الجانبية والأسطح ببنايات مشوهة وترك الحبل على الغارب لأي اعتداءات أو بلطجة أو اغتصاب للبنايات والشقق ليتم الترييف الكامل للقاهرة بشقيها وتتراجع القاهرة إلى عشوائية مفتوحة وانسحاب للخدمات والمرافق… لم يحدث هذا في القاهرة فحسب بل في كل حواضر محافظات مصر ومدنها.
عندما أراد إسماعيل توسعة وتحديث القاهرة لم ينفصل عن العاصمة التاريخية بقاهرته الخديوية وإنما حرص على توازى أعمال التحديث من مياه وغاز الاستصباح ثم الكهرباء ودخول خطوط الترام …سياسة توازى التحديث ومحاولات الدمج حرص عليها إسماعيل وخلفاؤه… أما المؤسف ففي حين اتجهت سياسات الحكومة نحو إنشاء المدن الجديدة بالقرب من القاهرة منذ أواخر أيام السادات فأقامت امتدادا لمعظم المحافظات وأحاطت القاهرة بغابة من الضواحي الواسعة الحديثة لتتسع العاصمة وتمتد من السويس إلى الواحات البحرية ومع توفر الشوارع الواسعة والتقسيمات الحديثة والمتنزهات في ما أحاط بالقاهرة العاصمة …لم تمتد يد العون والتحديث والتنمية والإنقاذ للقاهرة الأصلية وتركت لمقاديرها تغوص في العشوائية المدمرة ولكافة الآفات المستحدثة المدمرة… بلا رحمة!!!
لم يستطع أي من محافظي القاهرة أن يمتلك وعيا وعينًا ثاقبة تنظر لما هو قادم فيبادر بتوفير خطة طويلة واسعة للإحلال والتبديل والتطوير للقاهرة بأحيائها التاريخية وخطة عاجلة حاسمة يلتزم بها رؤساء الأحياء في تنظيم المرور في رقع الشوارع الجانبية وتنظيم الأسواق الشعبية والتاريخية بطرق منظمة وحسم إداري وقانوني والتعايش اليومي للزحام الكارثي ومواجهة فضيحة التوكتوك وهيمنة البلطجة في رسالة غير مفهومة لترك التدمير المتعمد ينهش في القاهرة وأبنائها…القاهرة ذات الرصيد البالغ من الآثار والمتاحف والتاريخ والنيل تتحول لجثة هامدة للإهمال والفساد والتسلط والبلادة في تجريف وقتل بلا هوادة… رحم الله القاهرة وهى تخطو نحو اثر قبل عين!!!
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا