في الخروج الثاني الكبير للشعب اللبناني بعد تظاهرات النفايات (طلعت ريحتكم) في 2015 والتي حملت إرهاصات مطالبات التغيير ضد الطائفية والإقطاعية العائلية الحاكمة والفساد الحاكم والتسلط المحاصر لمقادير اللبنانيين… عاد الشعب اللبناني ليحتل الساحات ضد الطبقة الحاكمة والنظام السياسي الذي أدى إلى الانهيار الاقتصادي الذي تجلى بأوضح أشكاله في الأشهر والأسابيع الماضية مع ما شهدته الأسواق من أزمة في سعر صرف الليرة وما تبعها من أزمة في المحروقات والرغيف.
أما القشّة التي قصمت ظهر البعير، فكانت التوجه الحكومي لفرض ضريبة على خدمة المكالمات الصوتية عبر الإنترنت، ما أدى يوم الخميس في السابع عشر من أكتوبر الحالي إلى خروج مجموعات صغيرة معترضة في وسط بيروت، ما لبثت أن تكاثرت وعمت المناطق اللبنانية كافة.
وحد الحراك الشعبي والذي يسميه اللبنانيون (الثورة) كل أطياف الشعب واحتلت التظاهرات كل الساحات واحتلت مناطق نفوذ حزب الله في بيروت الجنوبية والنبطية والبقاع… الثورة موجة ضد الجميع «كلن يعنى كلن»… الثورة موجهة ضد تحالف حزب الله والرئيس عون وتياره الحر برئاسة باسيل… هذا التحالف الذي يتلهى بالحكومة ساترا ويمارس سيطرته الكاملة ورؤاه.
وفى ظاهرة نادرة، توجه آلاف المتظاهرين من وسط بيروت باتجاه قصر بعبدا (مقر الرئاسة اللبنانية) في ظل حضور أمنى كثيف وانتشار لقطاعات الجيش اللبناني في محيط القصر، حيث رفع المتظاهرون ثلاثة مطالب أساسية وهى إسقاط الرئيس ميشال عون وحكومة الرئيس الحريري والدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة وفق قانون انتخابي عادل لإعادة تشكيل السلطة وفق معادلة جديدة.
وكان رئيس الوزراء الحريري قد تقدم بخطة إصلاح مفادها خفض جميع رواتب الوزراء والنواب الحاليين والسابقين بنسبة 50 في المائة، وخفض موازنات الصناديق المستقلة كـ«صندوق المهجرين» و«مجلس الجنوب»، ووضع سقف لرواتب ومخصصات اللجان وخفض رواتب جميع المديرين ووضع رواتب القضاة بحد أقصى ووضع ضرائب على المصارف وشركات التأمين 25 في المائة وتفعيل هيئة الرقابة الاقتصادية، ودعم الصناعات المحلية، ورفع الضريبة على المستوردات للأصناف المنتجة محلياً وإلغاء وزارة الإعلام، وإقرار قانون استعادة الأموال المنهوبة، ووضع آلية واضحة لمواجهة الفساد، والامتناع عن فرض زيادات في الضرائب على القيمة المضافة والهاتف والخدمات العامة وإعادة العمل بالقروض السكنية، واتخاذ قرار حاسم بأن تكون موازنة عام 2020 بلا عجز بما يتطلب ضبط الواردات، وزيادة الضريبة على أرباح المصارف وجعل قانون رفع السرية المصرفية إلزامياً على جميع الوزراء والنواب والمسئولين في الدولة… ولكن يقف عدم ثقته بقدرة الحكومة التي لطالما وعدت ولم تف، على التنفيذ.
في اليوم التاسع لانتفاضة الشعب ضرب الأمين العام لحزب الله نصر الله على الطاولة مقزماً انتفاضة اللبنانيين، ومشيطناً إياها باعتبارها مؤامرة خارجية ومتهما المشاركين بالتمويل الخارجي !!!. ومهدداً بالقوة ورافعاً لاءات ثلاثًا، لا لإسقاط العهد، ولا لاستقالة الحكومة، ولا لانتخابات نيابية مبكرة… ويحلو للتيار الحر العوني ترديد نفس نغمات نصر الله عن التمويل والدعم الخارجي… ولعله ليس غريبا على حزب الله اتخاذ تلك المواقف فقد سبق له دعم ايلي حبيقة أبرز منفذي مذبحة صابرا وشاتيلا في انتخابات 92 و96 وتحالف مع ميشيل عون رئيس الجمهورية الحالي ورئيس أركان الجيش المسئول عن العاصمة في 82 والذي اختفى وغض البصر عشية تنفيذ مذبحة صابرا وشاتيلا ( سبتمبر 82 ).
من المدهش أن يتحول أصحاب الأصوات الزاعقة عن مصالح الناس إلى آلة القوة الموجهة ضد الشعب هكذا يتصرف نصر الله في إعادة تذكير لما فعله في مايو 2008 حينما حاصر بيروت بالسلاح أما ميشيل عون الذي طالما تحدث عن الإقطاعية العائلية فقد عاد إلى لبنان ليشكل إقطاعية عائلية مدعمًا صهره باسيل ملقيًا نفوذه على كل صغيرة وكبيرة في البلاد.
وثورة الشعب اللبناني اليوم قد ملت وضجرت وغضبت على كل تلك الاغتصابات الطائفية والإقطاعية والخارجية وتحتل الشارع دون خوف في مواجهة تصرفات الإرهاب والتخويف والمراهنة على الزمن… عاشت لبنان وأهل لبنان.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا