-
كل قرار يتخذ له نتائجه وآثاره سواء الإيجابية أو السلبية، وبالتالي فإن عملية اتخاذ القرار تحتاج إلى معلومات ودراسة وفكر وخبرة لتحقيق الأهداف المأمولة من وراء اتخاذ القرار.. ثم يأتي توقيت اتخاذ القرار كأحد العوامل الهامة والمؤثرة في نجاح ونفاذ القرارات وتحقيق أهدافها.. وتأتى العشوائية مقابلة ومعاكسة لعدم التخطيط وإتباع المنهج العلمي في اتخاذ القرارات، والعشوائية هنا ليس المقصود منها المناطق العشوائية في المجتمع بشكل عام التي تقف عائقاً أمام كل محاولات وجهود النمو والتقدم والتحضر سواء كانت في شكل قوانين متضاربة أو إهمال أو عجز المسئولين عن اتخاذ القرارات ومواجهة القضايا الشائكة والملحة أو حتى نتيجة المجاملات والمحاباة بعيداً عن القوانين.
- العجز عن اتخاذ القرار في الوقت المناسب، جاءت نتائجه بشكل واضح منذ أيام قليلة بسبب موجة الأمطار التي ضربت بعض أحياء القاهرة ومناطق أخرى من بعض المحافظات، وأدت إلى شلل تام في بعض المناطق والشوارع الرئيسية وخاصة في الأنفاق التي تحولت إلى حمامات سباحة وارتفعت المياه فيها بشكل أثار سخرية الجميع خاصة أن موجة الأمطار كانت طبيعية وفى بداية فصل الشتاء، وسبق أن حذرت هيئة الأرصاد منذ عشرة أيام متواصلة عن موجة أمطار قادمة كأمر طبيعي لدخول فصل الشتاء، ولكن المؤسف أنها شلت حركة الحياة إلى حد إصدار رئيس الوزراء قراراً بتعطيل الدراسة أمس الأربعاء لحين إزالة آثار هذه الأمطار التي أغلقت معظم الأنفاق والشوارع الرئيسية.
- السؤال الذي يطرح نفسه.. أين كانت الحكومة طوال الفترة الماضية، وأين كان المحافظون وأجهزة المحليات، ولماذا لم تتخذ قرارات مسبقة، خاصة أن الجميع يعلم أننا مقبلون على فصل الشتاء ومن الطبيعي أن نستقبل مثل هذه الأمطار؟.. وكيف يكون الوضع لو حدثت سيول على سبيل المثال إذا كانت الأجهزة المحلية قد غرقت في شبر مية، وعجزت عن مواجهة أمر طبيعي يحدث كل عام في مثل هذا التوقيت.. هذا هو الفارق بين الدول التي تخطط لمستقبلها وتستخدم طريقة الإدارة بالأزمة وليس إدارة الأزمة، والفارق شاسع بينهما. فالأولى تتوقع الأزمات وتضع الحلول مسبقاً لمواجهتها إذا حدثت.. أما الثانية تنتظر حدوث الأزمة ثم تبدأ في البحث عن طرق لمواجهتها ووضع حلول مؤقتة لها، علماً بأن هذا الأمر سبق أن حذر منه الرئيس عبد الفتاح السيسي عندما غرقت الإسكندرية والبحيرة سابقاً في مياه الأمطار، وأذكر انه قال نصاً ـ لماذا لم يتم الاستعداد لموجة الأمطار والمرور على كل مخرات السيول وصيانتها لتصريف المياه فوراً؟ وحذر كل الأجهزة المحلية من هذا الإهمال والتراخي الشديد، الذي عاد وتكرر منذ يومين وكان مثارا للسخرية بين عامة المواطنين وتحولت صور الأنفاق والميادين الغارقة في المياه إلى ما يمثل ظاهرة في السوشيال ميديا.
- نفس الأمر يتكرر في قطاع آخر هو قطاع الرياضة وتحديداً كرة القدم المصرية التي لا يمر عليها شهور قليلة في حالة استقرار، وبات الدوري المصري أقدم دوريات الشرق الأوسط وربما العالم في حالة فوضى شديدة بسبب غياب التخطيط السليم، والأخطر بسبب المجاملات والمحاباة والفساد الذي ضرب الاتحاد المصري وتدخل جهات كثيرة في هذا القطاع.. فلا نكاد نطوى صفحة الدوري الماضي بكل فشله وتأخره إلى وقت بدأ فيه الدوري الجديد حتى نفاجأ بفشل جديد، وهو أمر أصبح مثار تساؤلات كثيرة، والأخطر أن نتيجته معروفة وكانت سبباً في خروج المنتخب المصري من الأدوار الأولى في البطولة الإفريقية التي جرت على أرض مصر، وخيبت آمال المصريين جميعاً بسبب هذه العشوائية من إدارة اللعبة.. للأسف جميعنا يعلم الأسباب الحقيقية لكل مشاكل كرة القدم المصرية، وغياب الجمهور عن الملاعب، والتلاعب في جدول المباريات، وأيضاً المجاملات في تعيين الحكام. وتدخل بعض الجهات في شئون كرة القدم، والأسوأ من كل هذا بلطجة بعض رؤساء وأعضاء الأندية وأعمال التحريض، وضرب هذا القطاع الذي حقق نجاحاً سابقاً في مصر وشكل أحد وجوه الاستقرار والدخل، ومع كل هذا لا نملك شجاعة اتخاذ القرار ومواجهة القضية بأسلوب علمي شفاف، مع أننا نمتلك كل الإمكانات في هذه اللعبة والبنية التحتية، وكل عناصر النجاح.. ولا ندرى لماذا لم نبحث حتى الآن تحويل الدوري المصري إلى دوري محترفين مثل معظم الدوريات في العالم التي تجرى الآن بنظام الاحتراف وتحقق دخلاً اقتصادياً كبيراً والأهم أنها تنتج منتخبات قومية تستطيع تحقيق البطولات والنتائج العالمية التي تظهر الوجه الحضاري للدولة.
- باختصار.. نحن في حاجة إلى إتباع المنهج العلمي وترسيخ دولة القانون في اتخاذ القرارات حتى نتحول إلى دولة مؤسسات بحق في شتى المجالات والقطاعات، ومواجهة هذه الفوضى والعشوائية التي تهدر كل جهود التحول نحو التحضر والحداثة والنمو.
228 3 دقائق