عرض فيلم الممر، حدث يستحق المناقشة، ويستحق الإشادة، بمن قرر عرضه على شاشات التلفزيون، ومن قرر التسويق للعرض بهذه الطريقة المكثفة، التي أدت إلى إقبال أجيال جديدة، وصغيرة في السن، على مشاهدة هذا النوع من الأفلام الحربية الإنسانية، التي تفتقدها السينما المصرية منذ سنوات طوال.
لم يتابع المصريون، فيلما بهذه الأهمية، منذ عرض الأفلام العسكرية الحربية، التي تم إنتاجها عقب حرب أكتوبر صحيح نحن لدينا أفلام حفرت عناوينها، في ذاكرة المصريين، مثل«الرصاصة لا تزال في جيبي» و«الطريق إلى إيلات» وغيرها من أفلام الإبداع المصري، ولكن التوقف الطويل عن إنتاج مثل هذه الأفلام أدى إلى ظهور جيل جديد، ولد في التسعينيات وما بعدها، ولا يعرف شيئاً عن حرب أكتوبر،لأنه لا يقرأ عنها كثيراً، ولا يرى أفلاماً تجسد بطولات الحرب، تتناسب تقنياتها، وحركة الكاميرا خلالها مع طبيعة العصر، الذي يعتمد تقنية اتش دي «HD» في السينما والفيديو، ويستخدم تكنيك حركة مختلف عن الأفلام القديمة، وبالقطع يقوم بتصدير أسماء نجوم يعرفها الجيل الحالي، ولذلك كان ظهور وإنتاج فيلم جديد يحكى بطولات الجيش المصري، ضرورة لابد منها.
قطعاً حديثنا عن فيلم الممر، ليس حديثاً فنياً ناقداً متخصصاً، ولكنه حديث سياسي، يفتح الباب، لمناقشة أهمية الفن، والقوى الناعمة، في توثيق التاريخ، ومقاومة أفكار هدم مؤسسات الدولة الراسخة، والتي لا يمكن تصور سقوطها، وبصرف النظر عن تحفظي الشديد على شخصية «إحسان»الصحفي، الذي لا يتفق مع شخصية المحرر العسكري وجديتها التي اعتدنا عليها، إلا أننا هنا لا نناقش مدى حبكة السيناريو، ولا حتى خطة الإخراج، ولا حجم استخدام الجرافيك والتقنيات الحديثة في تصوير المعارك، ولكننا نتحدث عن القدرة الفنية على توصيل المشاعر الوطنية، ونقل الحدث بتفاصيله، وإقناع المتفرج بوجود معارك حربية كبيرة حقيقية، وهذا ما حدث، فالمتلقي تفاعل مع المشاهد المصورة باعتبارها حقيقة، وكانت ردود الأفعال إيجابية، وهى نتيجة تحسب للمخرج الكبير شريف عرفة.
تستطيع أن تقيس مدى نجاح العمل الفني، عندما تجد المشاهدين يرددون كلمات أو عبارات قيلت في السيناريو، فلا تستطيع قطعاً نسيان مقولة الفنان الكبير الراحل محمود المليجي، في فيلم الأرض، عندما قال «في ثورة 1919 وقفنا مع سعد باشا وقاومنا وضربنا الإنجليز علشان كنا رجالة ووقفنا وقفة رجالة» ولا تستطيع نسيان جملة قالها الفنان محمود ياسين في ختام فيلم الصعود إلى الهاوية مخاطباً الفنانة عبلة كامل في طائرة العودة إلى القاهرة«ده الهرم..وده النيل..دي مصر ياعبلة»..وهذا ما حدث في فيلم «الممر» فقد تلقف المشاهدين الشباب، مقولة الفنان محمد فراج في الفيلم، مخاطباً قائده الفنان أحمد عز، الذي عنفه لأنه واجه طائرات العدو بسلاح صغير مما يمثل خطراً عليه بلا مقابل، فكان رده على القائد «يا فندم مش المهم أني أوقع طيارة ولا اتنين، المهم أن اللي في الطيارة يكون شافني وأنا واقف قدامه مخايفشي، وهيروح يبلغ زمايله إن المصريين مش جُبنة، وواقفين مستنينا ومش هايبينا، وده سلونا في الصعيد سعادتك تقف لغريمك عينك في عينه ويبقي عارف أنك هتاخد بتارك منه مهما عدت الأيام».
جملة مهمة تؤكد أن ما حدث في يوم 6 أكتوبر، كان خارقاً للطبيعة،وغير عادى، وخارج التوقعات، من حيث المعدات، والعتاد، والإمكانيات، ومن حيث صعوبة اختراق المانع المائي، ولكن الروح المعنوية العالية للجنود، والرغبة الشعبية الجارفة في القصاص واستعادة الأرض المغتصبة، أدت إلى انتصار كبير، لا يتصوره أحد، ويقودنا أيضاً إلى أن الهزائم لم تعد عسكرية فقط، ولكن انكسار الروح المعنوية للشعوب أصبحت أكبر خطراً من الرصاص والمدافع والطائرات..والجملة التي قالها «هلال» أو الفنان محمد فراج في فيلم «الممر» تذكرنا بتفاصيل فيلم «أغنية على الممر» الذي كان بلا معركة حربية واحدة، ورغم ذلك تم تصويره داخل «دشمة» وكان يحكى تفاصيل معركة حربية بين كتيبة مصرية محاصرة من قوات إسرائيلية عقب نكسة 67 ورفضت التسليم، وظلت تقاوم الحصار حتى سقطت جميعهم أثناء المقاومة، وهنا تأتى قيمة فيلم «الممر» أيضاً في أنه يزرع قيمة المقاومة، والنضال من أجل حرية هذا الوطن.
فيلم «الممر» هو خطوة يجب أن يعقبها خطوات، فلابد من إنتاج فيلم كل عامين على الأقل يتم خلاله تجسيد بطولات القوات المسلحة، خلال الفترة من 1967 وحتى 1973 حتى تحرير الأرض من سارقيها.
Tarektohamy@alwafd.org
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا