عملية صياغة وتشكيل الرأي العام في المجتمعات باتت من الأدوار الرئيسية التي تقوم بها وسائل الإعلام، لما لها من تأثير في الجمهور.
ومع التطورات النوعية المتزايدة في مجالات تقنية الاتصالات التي منحت الإعلام إمكانات وقدرات هائلة في التأثير على الآخرين، الأمر الذي جعل من وسائل الإعلام عاملاً رئيسياً من العوامل المؤثرة على الرأي العام والقدرة على خلق توترات في المجتمعات وإحداث بلبلة حول كثير من الموضوعات والقضايا سواء كانت حقيقية أو معلومات مكذوبة وناقصة وموجهة، بهدف خلق حالة من الشحن المعنوي في اتجاه معين.
رأينا في السنوات الماضية كيف تحولت الآلة الإعلامية الدولية إلى أدوات تمهيدية لإعداد مسرح الحروب وتهيئة الرأي العام الدولي لشن حروب على بعض الدول، كما حدث في العراق وما سمى بالربيع العربي في سوريا وليبيا وغيرها من المناطق التي تم إعدادها وتجهيزها نفسياً من خلال وسائل الإعلام الموجهة، حتى سقطت أكذوبة نظرية الإعلام الحر عن الإعلام الغربي وغيرها من وسائل الإعلام التي نشرت كميات هائلة من البيانات المكذوبة التي كانت تمدها بها أجهزة المخابرات، بهدف تجهيز مسرح العمليات وتشكيل عملية رأى عام معين من خلال المعلومات الموجهة.
ولم يعد خافياً على أحد أن مصر تتعرض ومنذ فترة إلى حروب الجيل الرابع والخامس.. وهى حروب تعتمد بالأساس على وسائل الإعلام لإفشال الدول من داخلها وذلك ببث الشائعات والفتن الطائفية والعرقية وإثارة مشاعر الغضب بين الطبقات الفقيرة والمهمشة وجميعها حروب نفسية تهدف إلى إسقاط الدول من داخلها.. ومنذ أسابيع قليلة تابعنا موجة جديدة من الحرب الإعلامية النفسية لاقت هوى بين بعض الشرائح بسبب الظروف المعيشية الصعبة نتاج عملية الإصلاح الاقتصادي وبدأت بالهمسات بين البعض وانتهت بحملة مضادة من وسائل الإعلام المصرية التي جاءت ضعيفة ومرتكبة في معظمها، وكشفت عن هشاشة الإعلام المصري والحالة المتردية التي وصل إليها، وهو ذات الإعلام الذي كان قبل قرن من الزمان رائداً ومؤسساً للصحافة والإذاعة ثم التليفزيون في مصر والعالم العربي والإفريقي.. بل وكان في مقدمة المعارك التي خاضتها مصر.
الأزمة الأخيرة جاءت كاشفة عن حاجة ملحة إلى ضرورة مراجعات حقيقية لمنظومة الإعلام المصري بكل أفرعه وتخصصاته من صحافة وإذاعة وتليفزيون وسوشيال ميديا لإزالة الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع المتردي وما ناله من سيولة وهشاشة وسطحية جعلته عاجزاً داخلياً في مواجهة فوضى الشائعات داخل المجتمع المصري من خلال حوارات بناءة قائمة على الحقائق والمصداقية والشفافية والاعتراف ببعض الأخطاء إن وجدت وطرح الرؤى لمعالجتها، وليس عن طريق النفي ثم النفي بالردح والأصوات الصاخبة التي لم تعد تلقى اهتماما أو آذانا صاغية.. إعلام قادر على التأثير في الداخل وتشكيل رأى عام موحد ينحاز إلى الدولة الوطنية المصرية في مواجهة حروب الجيل الرابع والخامس بحيث يصبح إعلاما ضاغطا في مواجهة الخارج.. بل وإعلاما مؤثرا في المنطقة الإقليمية لخدمة القضايا الوطنية وقضايا الأمن القومي المصري والعربي، وإعادة إحداث التوازن الاستراتيجي مرة أخرى للإعلام المصري.
عملية إحياء الإعلام المصري تحتاج إلى مراجعة ومصارحة خاصة أنه حتى وقت قريب كان إعلاماً ضاغطاً ومؤثراً ولا ننسى أنه كان في مقدمة الصفوف للمؤسسات المدافعة عن الدولة الوطنية المصرية في مواجهة الجماعة الإرهابية وكل محاولات الأخونة التي كانت تحاول غزو المؤسسات المصرية.. ولا أغالى إذا قلت إن الإعلام كان أكثر شراسة من مؤسسات أخرى في مواجهة الجماعة الإرهابية وهزيمتهم معنوياً وشحذ الروح المعنوية وهمم جموع المصريين المؤمنين بالدولة الوطنية المصرية، ورأينا عملية الحصار لمدينة الإنتاج الإعلامي أكثر من مرة وتهديد الصحفيين بالقتل والحبس، ومهاجمة بعض الصحف، ومع الشحن المعنوي المستمر وثبات الإعلام المصري على موقفه جاء انفجار الثلاثين من يونيو وخروج ملايين المصريين وانحياز الجيش المصري العظيم للشعب لتعود الأمور إلى نصابها الصحيح وتعود مصر إلى المصريين.
باختصار لن يعود الإعلام المصري إلى قوته وريادته، إلا بمراجعة أسباب انهياره وأيضاً بالقناعة بأهمية دوره ومنحه حرية الحركة.. وبالمناسبة هي حرية في صالح النظام والمواطن معاً، خاصة إذا كان النظام نفسه هو أول من يحارب الفساد ويبحث عن كل بؤره لضربها، هنا يأتي دور الإعلام للكشف عن بعض البؤر أو الأخطاء ويكون أداة مساعدة للنظام والحكومة لمحاسبة الفاسدين والفاشلين في مواقعهم، كما أنه وسيلة اتصال مباشر بين المواطن والمسئول في ضرب البيروقراطية والروتين في كثير من الجهات الحكومية.. والأهم من كل هذا أن يعود إلى سابق عهده كإحدى أهم أدوات قوة مصر الناعمة التي كان لها تأثير بالغ على تشكيل الرأي العام المصري والعربي في مواجهة كل أشكال الغزو الخارجي.
نائب رئيس الوفد
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا