مابين التفاصيل الصغيرة المتمثلة في الصور المعلقة على الجدران في أماكن المقاتلات الكرديات؛ تذكرهم بأهاليهم؛ والحوادث الجسام كمقتل الأب على يد الدواعش، والأخت على يد الإسلاميين لأنها لم تلبس الحجاب؛ نقلت تلك الأشياء مخرجة الأفلام الوثائقية والناشطة الفرنسية، كارولين فوريست، إلي بكورة أعمالها الدرامية وأول إنتاج لفيلم يجسد مقاومة المقاتلات الكرديات والمتطوعات من مختلف دول العالم اللواتي حاربن تنظيم داعش الإرهابي في شمال سوريا، من خلال فيلم «أخوات السلاح»؛ مستعرضة بمنتهى الشجن والمهنية قصة كتيبة من المقاتلات المتطوعات اللواتي جئن من مختلف دول العالم لمواجهة إرهابيي داعش في شمال سوريا.
و فيلم «أخوات السلاح» للمخرجة كارولين فوريست، الذي يعرض في مهرجان الجونة بدورته الثالثة مستوحى من قصة حقيقية، تدور أحداثه بصورة رئيسية حول امرأة كردية إيزيدية تدعى زارا، اختطفها داعش وبيعت لأحد مرتزقة داعش، ولكن تتمكن زارا في النهاية من الهروب من قبضة مرتزقة داعش واللحاق بكتيبة مؤلفة من المقاتلات الأمميات اسمها «كتيبة الأفعى».
هؤلاء النسوة ذوات خلفيات وقصص مختلفة، يجمعهن هدف واحد هو هزيمة تنظيم متوحش متورط بالاعتداء على نساء وشباب المنطقة واستعبادهم وقتلهم، ويشارك في الفيلم ممثلون عالميون معروفون من بينهم ديلان جوين، كاميليا جوردانا، ياسمين ترينكا، رزان جمال، مارك رايدر، جولشيفة فراهاني وهي ممثلة إيرانية، إنه بمثابة ملحمة تكرّم القوات النسوية ويشارك فيها ممثلون بارعون.
ومن خلال زارا، نتعرف على نساء من دول مختلفة ذوات خلفيات وقصص مختلفة، يجمعهن هدف واحد هو هزيمة تنظيم متوحش متورط بالاعتداء على نساء وشباب المنطقة واستعبادهم وقتلهم، يبدو من طريقة معالجة المخرجة للأحداث أنها منبهرة ومقدرة للدور الذي لعبته هذا العدد من النساء المتطوعات القادمات من أنحاء العالم للانضمام إلى الكفاح الكردي ضد داعش، ورفضهن اعتبارهن ضحايا، بل على العكس بادرن إلى التصدي والكفاح.
المخرجة كارولين فوريست نالت العديد من الجوائز عن أعمالها السياسية والاجتماعية ومنها جائزة لائيستي (العلمانية) في العام 2005 وجائزة «كتاب العام» في مجال السياسة للعام 2006.
«أخوات مُسلحات» يسلط الضوء على ما كان سببا في توحيد المقاتلين الأكراد تحت علم واحد، هو مقاومتهم داعش، حيث يدلف بنا إلى قصص الظلم من خلال ما حدث بالفعل لـ الإيزيديين وأعظم قصص الشجاعة، وقصة المقاتلين الأكراد بل والأكراد بشكل عام.
الطريف أن المخرجة كانت غاضبة للغاية من وحشية مقاتلي داعش، لدرجة أنها فكرت في الذهاب إلى الجبهة لدعم أولئك الذين يقاتلون؛ ولكنها قررت الكفاح من وراء عدسة الكاميرا؛ لتصنع فيلمًا، ملحميا عن كل ما جرى خلال هذه الحرب، والفيلم يروى من خلال وجهات نظر عدة؛ منها امرأة يزيدية شابة تدعى زارا تهرب من داعش وتنضم إلى المقاومة الكردية، عقيد من البيشمركة الكردية، وقائد حرب العصابات الكردي، ومتطوعون دوليون ينضمون إلى القتال ضد الجماعة المتطرفة، كما يوجد في الفيلم فوضوي إيطالي، وجندي أمريكي سابق وفرنسيان، أحدهما يهودي والآخر من أصل جزائري، وأكراد من الشتات.
تركيا بالطبع شنت هجوما على الفيلم واعتبرته دعما للقوات الكردية الذين تصنفهم أنقرة إرهابيين. بل وادعت أن فرنسا تنتج فيلما يدعم قتلة الأطفال ويجعل من إرهابيي وحدات حماية الشعب أبطالا. بينما ترى كارولين فورست إن أحد الأهداف الرئيسة للفيلم هو إظهار كيف قاتل الأكراد، على الرغم من انقساماتهم المختلفة، ضد داعش، وكيف أنقذوا العالم من هذا التهديد.
الفيلم عرض لقطات لفصائل كردية متعددة، بما في ذلك المقاتلون من حزب PAK الكردستاني الإيراني، ووحدات حماية المرأة الكردية (YPJ) في سورية، ورغم أن الفيلم تم تصويره في المغرب، إلا أن فورست أصرت على مشاركة الممثلين الأكراد واليزيديين للقيام بالأدوار الرئيسة، اثنان منهم ديلان جوين، الذي يلعب دور زارا، وكولونيل البيشمركة يلعبه كوركماز أرسلان، الذي اكتشفه فورست من خلال عمل المخرج الكردي هينر سليم، على الرغم من أن الممثلة اليزيدية التي من المقرر أن تلعب دور امرأة في سوق الرقيق لم تسمح لها السلطات المغربية بدخول البلاد بسبب جواز سفرها العراقي، فقد حلت محلها الممثلة اليزيدية الألمانية شنازة حماء علي.
واختار فورست ممثلات أوروبية أيضا، والرائع أن الفيلم أقترب من الخيانة الغربية للحلفاء الأكراد فيما يتعلق برغبتهم في الاستقلال فمن المعروف أن في 25 سبتمبر 2017، أجرى إقليم كوردستان استفتاء على الاستقلال، حيث وافق 93 في المئة من المواطنين على الانفصال عن العراق.
انتقدت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والأمم المتحدة الإطار الزمني للتصويت ولم توقف هجوم القوات العراقية في 16 أكتوبر 2017 الذي دفع البيشمركة الكردية من كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها من بغداد و إربيل بالاستمرار في الحرب، الطريف أن المخرجة كتبت المشهد الذي يتناول هذه الأحداث قبل فترة طويلة من الاستفتاء لأنه كان متوقعًا، مما يؤكد أن الأفلام يمكن أن تتنبأ بالواقع .
من بطلات الفيلم جولشفيته فرحاني الممثلة والمغنية الإيرانية وهي ابنة المخرج والممثل الإيراني بهزاد فراهاني، مثلت في فيلم «شجرة الإِجَّاص» وهو الدور الذي حازت فيه على جائزة أحسن ممثلة من مهرجان فجر السينمائي في إيران، كما فازت بجائزة بمهرجان سان سيباستيان السينمائي العام 2006 عن دورها في فيلم «نصف القمر» Half Moon للمخرج الإيراني باهمان جوباديوهو؛ و حازت على جائزة من مهرجان القارات الثلاث في نانت بفرنسا سنة 2009 ، لعبت دور زبيدة في فيلم بخصوص ايلي للمخرج فرهادي أصغر، تم اختيار الفيلم في مهرجان تريبيكا السينمائي وحصل على الدب الفضي في مهرجان برلين السينمائي، وتعيش الآن في باريس .
أما الممثلة جلشیفته فراهاني في عام 2008 فشاركت في فيلم كتلة أكاذيب Body of Lies بطولته ليوناردو دي كابريو وراسل كرو، تلك المشاركة جعلت السلطات الإيرانية تمنعها من مغادرة إيران، والسبب في قرار منع جلشيفته من السفر هو عدم ارتدائها الحجاب الذي تفرضه السلطات الإيرانية على مواطناتها، أثناء تمثيلها الفيلم، ثم غادرت إيران إلى أمريكا.
وأما أميرة قصار الممثلة الإنجليزية البريطانية الفرنسية الأيرلندية فهي ولدت في مدينة لندن لأب من أصل كردي وأم مغنية أوبرا روسية، قضت حياتها متنقلة بين إنجلترا وفرنسا وأيرلندا وأكملت دراستها في مجمع الفن الدرامي الوطني في باريس، تتقن التكلم باللغات الإنجليزية والفرنسية وأبرز الأفلام التي مثلتها هو فيلم سلفيا في سنة 2003 وفيلم تشريح الجحيم في سنة 2004.
للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا