أجدني مضطرًا للكتابة مرة ثانية عن تونس الخضراء.. فقد توفى يوم الخميس الرئيس زين العابدين بن على بعد صراع مع المرض،
ففي شهرين توفى رئيسان، وفى الوقت الذي تجرى فيه انتخابات يتنافس في مرحله الإعادة اثنان قلبا موازينها، الأول أستاذ جامعي وخبير في القانون الدستوري، والثاني رجل أعمال قوى محبوس بتهم إصدار شيكات بدون رصيد وله رصيد كبير في الأعمال الخيرية من خلال جمعيته الأهلية التي نافست بقوة أنشطة حزب النهضة الإخواني.
تونس شهدت في مطلع عهد بن على نهضة اقتصادية واجتماعية واستعان بالشباب في كل مناحي الحياة، وكان التونسيون متفائلين بالمستقبل وزرت تونس عشرات المرات في مطلع التسعينيات وكنت كل مرة أجد الجديد على مستوى البنية التحتية.. وكانت مشكلة بن على هو ملف الحريات فقد كان ديكتاتورًا بامتياز كل شيء تحت المراقبة وكانت غرفنا في الفنادق تفتش على مدار الساعة وكانت الصحافة مقيدة ومحتكرة من قبل ألدوله وكان الحزب الحاكم هو المسيطر على كل شيء وحصل الخلط بينهما بصورة لا يمكن التفرقة بينهما.. ودائمًا مع انعدام الحريات وخاصة حرية الصحافة والإعلام ينتشر الفساد وتنتشر الشائعات لذا كبر الفساد في تونس بصورة كبيرة وأصبح غولًا قضى على كل إنجازات الرجل الاقتصادية والمعمارية وتحولت التنمية إلى أرقام غير حقيقة تقدم له، خاصة أن أسرة زوجته وقيادات حزبه نجحت في عزله عن الناس ولا يرى إلا ما يقدم له من معلومات ولا يسمع إلا هم حتى أنهم نجحوا في إيجاد إعلام عربي ودولي موالٍ لهم يطلعونه على مقالات الإشادة التي تكتب في صحف العالم رغم أنها مقالات مدفوعة الأجر.
حتى مع ثورة الياسمين خدعته نفس المجموعة الفاسدة وأقنعته بالهرب حتى تنجو هي بنفسها وهو ما تحقق لها وذهب هو إلى منفاه الاختياري ليموت فيه والشلة تعيش الآن في رغد مما جنته من مرحلته.. فالفساد أعمى بن على عن ما يجرى حوله وحوله إلى وحش كاسر في عقول التونسيين وأصبح الخوف من الحديث همسًا مجرمًا وتحول من يعبر عن رأيه بصراحة إلى عدو ويلاحق قضائيًا في كل مكان في العالم وليس في تونس فقط.
تونس ودعت رئيسين في شهرين تقريبًا رجل عزله الفاسدون والمنافقون عن الشعب فتحول إلى ديكتاتور وهو بن على، ورجل حاول إنقاذ بلاده في أصعب وقت في تاريخها واستغل كل خبراته السياسية لتحقيق هذا الهدف، رجل مستنير ويؤمن بأن التنمية بلا حرية لا قيمة لها وأن الفساد يترعرع في الظلام وفى غياب حرية الرأي والتعبير وفى ظل احتكار المعلومات والسيطرة على كل شيء في البلاد لذا خطت تونس في عهده خطوات كبيرة وقوية في التنمية وأنقذ بلاده من الإفلاس وهو قائد السبسي.
ونحن ننظر إلى جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية التي وجه فيها الشعب التونسي رسالة قوية لكل القوى التي أرادت العبث بمقدراته فقد وجه الشعب التونسي صفعة لكل يد خارجية حاولت أن تجد لنفسها مكانة على أرضها بتمويل حملات وأحزاب سياسية فقد صعد إلى القمة اثنان لم يكونا في يوم من الأيام محط أنظار الإعلام إلا بعد دخول قيس بن سعد الإعادة وحبس نبيل القروي بعد أن فشلت السلطات في إبعاده عن الانتخابات بالقانون.
فتونس بين رئيسين راحلين وبين مرشحين للفوز بالمقعد الكبير في هذا البلد الذي أعطي العالم ومازال يعطى دروسًا يجب علينا جمعيًا أن نتعلمها.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا