لا يخفى على أحد في أي مكان في العالم إن ما يحصل الآن من حروب استعمارية وغزوات وحروب طائفية ومذهبية أغلبها – إن لم تكن أجمعها – نابعة من البعد الديني والنبوءة الدينية والتفسيرات للنصوص الدينية؛ بحيث صارت تلك النصوص الدينية بمثابة نصوص تشريع لاستباحة الدماء.
فاليهودي يقتل المسلم والمسيحي يقتل المسلم والمسلم يقتل المسيحي واليهودي وبطرق مباشرة وغير مباشرة حتى صار أهل الأرض يكره بعضهم بعضًا ويبغض بعضهم بعَضًا ويستبيح دماء ومال وأعراض بعضهم بعضًا والأمر حتى في داخل الدين الواحد والمذهب الواحد؛ وكل ذلك سببه هو التفسير الخاطئ للنصوص الدينية من جهة ومن جهة أخرى تصدي من هو ليس أهلًا للقيادة الدينية بالإضافة إلى الاعتماد على ما هو محرف ودخيل على النصوص الدينية وترك الأصل والجوهر الذي جاءت به الديانات السماوية من يهودية ومسيحية وإسلام ألا وهو التسامح والوئام والتعايش السلمي وتقبل الأخر …
فالجميع ركز ويركز على مصادر الخلاف بين الأديان لدرجة كبيرة ويشدد عليها ويظهرها ويعتمد عليها في برنامجه الديني والاجتماعي والأخلاقي وحتى السياسي ويغض الطرف عن الجوانب الجوهرية ونقاط الالتقاء والتقارب بين الأديان بل يقوم بتحريفها والتلاعب بها وعلى أقل تقدير يقوم بتغيبها وعدم التطرق لها؛ لذلك ندعو الجميع وبدون استثناء إلى تلك الدعوة العظيمة التي أطلقها الفيلسوف والمعلم الأستاذ الصرخي الحسني في بحثه الموسوم (( مقارنة الأديان بين التقارب والتجاذب والإلحاد )) والذي دعا فيه إلى نبذ كل مظاهر العنف والكره والتركيز على المقومات الحقيقية التي جاءت بها الديانات السماوية؛ حيث قال سماحته…
{{…إنّ الكراهية والعنف والإرهاب يضرب في كل مكان ويقع على جميع الأجناس والأعراق البشرية، فالأمر خطير والمسؤولية عظيمة يتحملها علماء الأديان السماوية وأهل الاختصاص، فعليهم أن يدفعوا الاختلاف والتوفيق بين معاني الكتب السماوية التي ظاهرها الاختلاف، فعليهم العمل بإخلاص ومصداقية ومهنية وعقلانية للتقريب بين المعاني والأديان، واعتماد المشتركات والتمكن من تأسيس قواعد ومسائل كلية متقاربة ومشتركة، في العقيدة وأصول الدين، بحيث يقبلها عموم البشرية من النفوس العاقلة المتّزنة، وأن يكون ذلك وفق شروط وضوابط وقوانين لغوية وعرفية بمنهج علمي موضوعي ناضج، ولابد أن تُبذل كل الجهود والمعارف والأفكار من أجل تأسيس منهج وسطي معتدل للحوار والتخاطب والفهم والتفهيم واحترام الناس وأفكارهم واختياراتهم، وكل منهم بحسب الأدلة والحجج التي تصل إليه والتي يطلع عليها، وكل منهم بحسب مستويات عقولهم وأذهانهم وبحسب الظروف والعوامل النفسية والحالة الاجتماعية التي يعيشونها …}}.. انتهى الاقتباس …
فهذه الدعوة هي حجة على الجميع خصوصًا الذين يدعون إنهم يسعون لإشاعة روح المحبة والسلام في الأرض؛ فمن كان ينشد هذا الأمر قولًا وفعلًا وصدقًا عليه أن يلبي هذه الدعوة لما تحمله من أبعاد تكشف عن الجوهر الحقيقي للرسالات السماوية جميعًا .
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا