نحن في عالم لا يحترم إلا الأقوياء.. والمقصود بالقوة هنا هي عناصر القوة الشاملة التي تمتلكها الدولة من تأثير ونفوذ وإمكانيات وقدرات بشرية وعسكرية واقتصادية وثقافية وفنية وغيرها من عناصر القوة الناعمة التي تجعل قراراتها نافذة، وتحقق من خلالها كل أهدافها الإستراتيجية سواء في محيطها الإقليمي أو على المسرح الدولي سواء باستخدام القوة الخشنة أي العسكرية أو من خلال القوة الناعمة التي تمكنها من التأثير والنفوذ لأهدافها ومصالحها العليا وحماية أمنها القومي، وليس أدل على ذلك من القرارات الدولية التي تصدر سواء من مجلس الأمن أو الأمم المتحدة وتصبح نافذة على الفور، وبمجرد صدورها إذا كانت لصالح بعض الدول أو القوى الكبرى.. بينما تبقى بعض القرارات مجرد حبر على ورق لأنها لا تجد التأثير والنفوذ اللازم لتحقيقها وتحويلها إلى واقع.
من هذا المنطلق تحدثت الأسبوع الماضي عن عودة مصر إلى الطريق الصحيح، واستعادة بعض نفوذها بشهادة الكبار الذين أثنوا على التحولات الاقتصادية، ونجاح عملية الإصلاح الاقتصادي في مصر خلال الأعوام الأخيرة، والنتائج الملموسة التي بدأت تظهر على الاقتصاد المصري، وأكدت على أن بطل هذه الإصلاحات كان الشعب المصري الذي تحمل وصبر وعانى بشدة من هذه الإصلاحات.. إلا أن البعض لم يستوعب فكرة إعادة البناء وترسيخ أركان الدولة، ولا أغالى إذا قلت إن كثيرين لم يعوا تصريح الرئيس عبدالفتاح السيسي عندما قال إن مصر كانت شبه دولة في وقت من الأوقات وتحديداً بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير وقفز جماعة الإخوان على السلطة والسماح بتدخلات خارجية كثيرة للعبث بهذا الوطن وتنفيذ أجندات خارجية كثيرة كانت معدة سلفاً لتحقيقها في منطقة الشرق الأوسط وعلى المسرح العربي تحديداً.
وهنا يجب الإشارة إلى أن الدول التي تتعرض لحروب أو انتكاسات اقتصادية تحتاج إلى مراحل انتقالية من المؤكد يدفع ضريبتها المواطن، وأمامنا النموذج الأوروبي الذي عانى بشدة بعد الحرب العالمية الثانية، وحتى يستعيد بناء ذاته في الثلاثين سنة العظيمة لأوروبا من 1945 وحتى عام 1975 كانت على شعوبه أن تتحمل قرارات اقتصادية صعبة كانت بدايتها بعد انتهاء الحرب بإنشاء مجمعات سكنية بدون حمامات لعدم وجود شبكة صرف صحي، وإنشاء حمامات منفصلة يشترك فيها كل السكان.. ونفس الأمر تم تحديده للسلع الغذائية إلى حد تحديد سلع بعينها للأطفال فقط مثل اللبن والبيض وغيرها من الإجراءات بهدف إعادة بناء الدول واتجهت أوروبا نحو التصنيع وحققت ثورة صناعية فاقت كل التوقعات وانتقل معها المواطن الأوروبي إلى مرحلة الرفاهية التي نتمناها جميعاً.
إذاً مصر عندما تستعيد بناء مؤسساتها وبنيتها الأساسية، فهي تستعيد بناء قوتها الشاملة، وهو أمر ربما لا يدركه البعض، ولا يشعر به المواطن المضغوط اقتصادياً.. ولكن تدركه جيداً المؤسسات الدولية والدول الأخرى التي تنظر على مصر وتراقب حركتها في محيطها الإقليمي والدولي.. ومعنى أن تصبح مصر شريكاً في الاجتماعات الكبرى ووجود الرئيس عبدالفتاح السيسي على طاولة الاجتماعات مع رؤساء الدول العظمى والكبرى التي توجه بوصلة الاستثمارات والاستقرار أو العكس، فهو اعتراف بأن مصر تستعيد قوتها ونفوذها وتسير على الطريق الصحيح.. وهو أيضاً نتاج لجهد وعمل مؤسسات مصرية مشهود لها بالكفاءة والخبرة وعلى رأسها الدبلوماسية المصرية العريقة والأجهزة المصرية التي حققت في الأيام القليلة الأخيرة مفاجآت كبيرة وكشفت عن مؤامرات خطيرة كانت تهدد استقرار دول شقيقة.
باختصار.. الوضع في منطقة الشرق الأوسط أشبه بالرمال المتحركة بسبب الخيوط الكثيرة المتشابكة والمتعارضة.. والبعض للأسف كان يعتقد أن مصر انتهت بعد أن وصل الإخوان إلى السلطة، والبعض الآخر توهم أنه بديل لمصر على المسرح الإقليمي والدولي.. وهناك من هو ثابت على موقفه تجاه مصر، لأنه يعي ويدرك قيمة مصر ويعي أكثر بعقول أبنائه المستنيرة أن مصر تملك من عناصر القوة الشاملة ما يجعلها صامدة في مواجهة أعتي الرياح والمؤامرات.
مصر التي لم تتآمر يوماً على أشقائها وكانت سنداً لهم على مر الزمان، كما كانت داعمة في كل المناحي، وها هي اليوم تستعيد الحركة والنشاط وتؤكد من جديد دعمها للأشقاء في تأكيد على أنها لا تنسى من وقف بجانبها وقت الشدائد، لأنها تملك من عناصر القوة الشاملة ما يؤهلها لأن تكون دولة مؤثرة وفاعلة على المسرح الإقليمي والدولي، وهو أمر يضيف إلى كل الأشقاء ولا ينتقص منهم ويساهم في استقرار المنطقة والقضاء على فلول الإرهاب في المنطقة العربية بأسرها، كما يساهم في الحد من التدخلات الخارجية في شئون الدول العربية وابتزازها تحت مزاعم الحماية وغيرها التي أعلنها ترامب صراحة أكثر من مرة، ولم يستوعبها البعض حتى الآن.
نائب رئيس الوفد
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا