حكاية، ربما أكون قد قرأتها للمرة الأولى، ولكنها مهمة في سياق توثيق تاريخ قيادات حزب الوفد، بمناسبة مرور مائة عام على خروج حزبنا للنور.. الحكاية يسردها كريم ثابت، المستشار الصحفي، للملك فاروق، في مذكراته، حول إبراهيم باشا فرج، سكرتير عام الوفد الأسبق، الذي تحل ذكراه هذه الأيام.
يقول كريم ثابت في مذكراته: «أتاح لي السجن متسعًا من الوقت للشروع في كتابة مذكراتي، وقد رأيت أن أبدأها بذكريات عن السنوات العشر التي لازمت فيها الملك فاروق، أي من سنة 1942 إلى سنة 1952». ويضيف: «كلف الملك فاروق، رئيس الوفد مصطفى النحاس بتأليف الوزارة، فأعطى النحاس حسين سرى، وكان قد عين رئيسًا للديوان الملكي، قائمة بأسماء الذين يرشحهم لأن يكونوا وزراء معه، وجلس فاروق إلى مكتبه في قصر القبة يصغى إلى حسين سرى وهو يتلو عليه تلك الأسماء، ولما وصل رئيس الديوان إلى اسم إبراهيم فرج المرشح وزيرًا للشئون البلدية والقروية، قال فاروق: من هو إبراهيم فرج؟ فقال حسين سرى: إني لا أعرف عنه شيئًا يا أفندم، فسأل حسن يوسف وكيل الديوان فأجاب بأنه هو كذلك لا يعرف عنه شيئًا، فالتفت إليّ وقال: وأنت هل تعرف عنه شيئًا؟ فقلت له: إن إبراهيم فرج من سمنود يا أفندم، وترجع علاقته بالنحاس إلى أكثر من ثلاثين سنة مضت، ولما نفى النحاس إلى «سيشل» مع سعد باشا كان إبراهيم فرج لا يزال طالبًا بمدرسة الحقوق، فأخذ يتردد على بيت النحاس ويساعد عائلته في كل ما تحتاج من مهام، فلما عاد النحاس من المنفى قدر إخلاصه ووفاءه، فلازمه إبراهيم فرج من ذلك الحين، ثم حدثته عن جهاده في الحركة الوطنية، وعن الوظائف التي تقلدها في الحكومة، وكيف فصل من خدمتها في كل مرة ترك فيها النحاس الوزارة.. ووافق فاروق على اسمه وهو يقول مازحًا: يكفى لقبوله أن يكون من سمنود، ولأجل عين تكرم ألف!
ونحن نقول، في الوفد، أن إبراهيم باشا فرج، رحمة الله عليه، كان نسمة حب وفدية يتمنى الجميع استنشاقها، وقد قدر لنا مقابلته لنعرف قيمة الوفد وقدره.. ففي نهاية الثمانينيات، عندما كنت طالبًا في كلية الحقوق، بجامعة القاهرة، انضممت لحزب الوفد العريق، والذي كان يترأسه، وقتها، فؤاد سراج الدين باشا، سكرتير عام الحزب قبل عام 1952 ومؤسسه عند عودته الأولى للحياة السياسية عام 1978، ثم عودته الثانية عام 1984. كانت طقوسي اليومية، في ذلك الوقت، مرتبطة بزيارة الحزب يوميًا مع زملائي الطلبة الوفديين، وكنت حريصًا بشكل شبه يومي بعد انتهاء عملي الدراسي، على استقلال أتوبيس 13، على ما أتذكر، لنقلى من جامعة القاهرة، إلى مقر الوفد القديم في المنيرة بالمبتديان، لألحق بالباشا الذي أحبه «إبراهيم فرج مسيحة» سكرتير عام حزب الوفد، الذي كان مكتبه مفتوحًا لمحبيه من الشباب الذين كانوا يتطلعون لسماع حكاياته التي لا يمكن أن تسمعها من غيره! كان «إبراهيم فرج» الذي تحل علينا ذكرى رحيله، وكيلا للمؤسسين عند عودة حزب الوفد، وأعلن، كما ذكر الكاتب لمعي المطيعي، في فبراير من عام 1978 أمام «الدكتور مصطفى خليل» أن «الوفد» لا يريد أي مساعدة مالية من «الاتحاد الاشتراكي»، ومعنى هذا استقلال إرادة الوفد في مواجهة النظام ومواجهة الحكومة. وبعد عودة الوفد اختار «فؤاد سراج الدين باشا» رئيس الوفد، «إبراهيم فرج» سكرتيرًا عامًا للوفد ورئيسًا للجنة الشئون الخارجية. وهذا النضال ليس جديدًا على «إبراهيم فرج»، لقد عاش فترة النضال الحقيقي ضد طغيان القصر الملكي وسيطرة الاحتلال والحكومات الأقلية.. وتحت زعامة مصطفى النحاس عاش أيضًا معركة الدستور ضد إسماعيل صدقي حتى سقط دستور 1930، وعاد دستور عام 1923. وكان قد عاش ثورة 1919 تحت قيادة «سعد زغلول».
ويذكر «سعد فخري عبد النور» خليفة إبراهيم باشا في منصب سكرتير عام الوفد أنه اقترب من «إبراهيم فرج» منذ عام 1938، وهو اليوم الذي جاء فيه «محمد محمود باشا» رئيسًا للوزراء بعد إقالة وزارة «مصطفى النحاس» الرابعة، فقد بادر محمد محمود بإحالة «إبراهيم فرج» إلى المعاش. ويؤكد «سعد فخري عبدالنور» أن هذا الموقف يكشف قوة إبراهيم فرج التي كانت في إخلاصه النقي لزعيمه مصطفى النحاس وللوطن ولقضايا الديمقراطية والحرية وللوفد.
عندما كنت أحضر جلسات إبراهيم باشا فرج في المنيرة، ثم لمدة عام في مقر الدقي الحالي، كان يلفت انتباهي حرصه على نفى وصف السياسة بأنها «شغلانة بلا أخلاق» وكان يقول: «العمل السياسي الذي أعرفه هو تضحية من أجل قضية وكفاح من أجل الوطن» وكان يؤكد دائمًا: «لا يجب أن يفقد السياسي أخلاقه حتى لا يفقد ذاته وإنسانيته»، رحم الله إبراهيم باشا فرج سكرتير عام الوفد، إحدى القيم الكبيرة، إحدى القامات التي منحتنا الدروس التي لن ننساها أبدًا ما حيينا.
tarektohamy@alwafd.org
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا