لا يخفى على أحد من الناس المتدينين وغيرهم من أن الديانات السماوية الثلاثة – الإسلام، المسيحية، اليهودية – لها أصل ومنشأ واحد وهو الله سبحانه وتعالى الذي أرسل رسله – عليهم السلام أجمعين – لهداية البشر بعد ما أصابهم الضلالة والطغيان والانحراف؛ فكانت الديانة اليهودية وأصلها القدس الشريف ومن ثم الديانة المسيحية وأصلها القدس الشريف ومن ثم الدين الخاتم الإسلام وكانت القدس الشريف هي القبلة الأولى للمسلمين لما لها من خصوصية عند الله تعالى وعند نبيه الخاتم – صلى الله عليه وآله وسلم – وهي أيضًا الحرم الثاني عند المسلمين بعد بيت الله الحرام ومنها كان المعراج بالنبي – صلوات الله عليه وسلامه – هذا من ناحية المكان والرقعة الجغرافية حيث كل الأديان ترتبط روحيًا بالقدس …
أما من الناحية التشريعية والرسالية؛ فكل الأديان السماوية جاءت من أجل إنقاذ البشرية من الظلم والطغيان الذي وقع عليها من جبابرة الأرض وكذلك تصحيح كل الانحراف الحاصل في سيرة وسلوك البشرية وما هو أهم من ذلك إن كل تلك الديانات السماوية جاءت تحمل المعاني الإنسانية وتحث على التعايش السلمي بين البشر وتحث على أن يكون الخطاب والتوجيه والنصح والإرشاد بصورة إنسانية يسودها الحب والوئام والإنسانية لا القتل وسفك الدماء الذي حصل ويحصل الآن بسبب التفسير المغلوط للنصوص الدينية بالإضافة إلى ما موجود من دس وتحريف وتلاعب في الموروث الديني – بصورة عامة – مع تصدي من هم غير مؤهلين علميًا لشغل مكانة القيادة الدينية وهذا ما جعل أن تكون هناك وقيعة بين أصحاب هذه الديانات فراح أحدهم يكفر ويقتل ويستبيح دماء وأموال الآخرين وأعراضهم وبصورة جعلت تلك الأديان تبتعد عن هدفها السامي…
وهذا ما ولد من العنف والكراهية والتباغض بين أصحاب تلك الديانات؛ ولذلك ومن باب المسؤولية الشرعية والأخلاقية والإنسانية ومن باب تصحيح المسار الذي خطته لنا الديانات السماوية ندعو بما دعا به المحقق الفيلسوف السيد الصرخي الحسني في بحثه الموسوم (مقارنة الأديان بين التقارب والتجاذب والإلحاد) والذي دعا فيه إلى نبذ كل مظاهر العنف والكره والتركيز على المقومات الحقيقية التي جاءت بها الديانات السماوية؛ حيث قال سماحته …
(…إنّ الكراهية والعنف والإرهاب يضرب في كل مكان ويقع على جميع الأجناس والأعراق البشرية، فالأمر خطير والمسؤولية عظيمة يتحملها علماء الأديان السماوية وأهل الاختصاص، فعليهم أن يدفعوا الاختلاف والتوفيق بين معاني الكتب السماوية التي ظاهرها الاختلاف، فعليهم العمل بإخلاص ومصداقية ومهنية وعقلانية للتقريب بين المعاني والأديان، واعتماد المشتركات والتمكن من تأسيس قواعد ومسائل كلية متقاربة ومشتركة، في العقيدة وأصول الدين، بحيث يقبلها عموم البشرية من النفوس العاقلة المتّزنة، وأن يكون ذلك وفق شروط وضوابط وقوانين لغوية وعرفية بمنهج علمي موضوعي ناضج، ولابد أن تُبذل كل الجهود والمعارف والأفكار من أجل تأسيس منهج وسطي معتدل للحوار والتخاطب والفهم والتفهيم واحترام الناس وأفكارهم واختياراتهم، وكل منهم بحسب الأدلة والحجج التي تصل إليه والتي يطلع عليها، وكل منهم بحسب مستويات عقولهم وأذهانهم وبحسب الظروف والعوامل النفسية والحالة الاجتماعية التي يعيشونها …).. انتهى الاقتباس …
وعلاوة على ذلك نجعل من القدس عاصمة للأديان السماوية ويكون فيها اللقاء الروحي والديني والفكري والأخلاقي الذي تسوده الروح الإنسانية لا أن تكون هذه الرقعة المباركة والمقدسة مصدرًا للتشرذم والتفرقة ومركزًا لدعوى القتل وإبادة البشرية بالاعتماد على نصوص دينية غير حقيقة تخالف الأصل والجوهر الذي جاءت به الأديان السماوية ؛ بل لتكن القدس عاصمة التقارب والتجاذب الفكري بين الأديان ….
أوبريت || عاصمة الأديان القدس – Capital of Religions is Jerusalem
https://www.youtube.com/watch?v=6tHAdRCc7yU
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا