الرئيس الفرنسي ماكرون يخوض منذ فترة معركة سياسية بمعنى الكلمة من أجل إنقاذ إيران من أزمتها وورطتها بسبب العقوبات الأمريكية القاسية المفروضة عليها وما تشهده من انهيار اقتصادي جراء ذلك، ويبدو الآن أن جهوده في سبيلها للنجاح.
بطبيعة الحال، ماكرون يفعل هذا ليس من أجل إيران في حد ذاتها، وإنما لأن هذه مصلحة فرنسا والدول الأوروبية التي لا تريد أن تضحي بعلاقاتها الاقتصادية مع إيران ولا يعجبها الموقف الأمريكي بالانسحاب من الاتفاق النووي.
منذ فترة طويلة وماكرون يبذل جهودا سياسية مكثفة من أجل الوساطة بين أمريكا وإيران، ومن أجل إيجاد مخرج للنظام الإيراني من ورطة العقوبات الأمريكية القاسية المفروضة عليه.
قبل نحو أسبوعين وجه الرئيس الأمريكي ترامب تحذيرا لماكرون بأنه ليس من حقه أن يتحدث مع إيران باسم أمريكا.
لكن اتضح الآن أن ماكرون لم يكن يتحدث مع إيران من فراغ بعيدا عن أمريكا. هذا ما أثبتته التطورات المثيرة التي حدثت في الأيام القليلة الماضية.
استغل ماكرون رئاسة فرنسا لقمة مجموعة السبع، وألقى بكل ثقله من أجل حدوث اختراق في جهود إنقاذ إيران. قبل القمة دعا وزير الخارجية الإيراني ظريف إلى زيارة باريس وناقش معه ما قيل إنها مقترحات فرنسية جديدة للخروج من الأزمة لم يتم الكشف حينها عن تفاصيلها. ثم عقد ماكرون قمة مطولة مع الرئيس الأمريكي من الواضح أنه تم خلالها الاتفاق على خطوط عامة ومقترحات محددة.
وفوجئ الجميع بعد يوم واحد بدعوة ظريف مجددا إلى مقر انعقاد قمة السبع وأجرى محادثات مطولة مع الفرنسيين ومسؤولين أوروبيين. واتضح لاحقا أن الدعوة تمت بموافقة ترامب. وأجمع الكل على أن المحادثات كانت إيجابية وحققت تقدما.
وكانت المفاجأة الكبرى والاختراق الأكبر حين أعلن ماكرون في مؤتمره الصحفي مع ترامب أن قمة بين الرئيسين الأمريكي والإيراني يجري الإعداد لعقدها خلال أسابيع، وأنه طالما هناك قمة فسيكون هناك اتفاق. وترامب بدوره رحب باللقاء وأعرب عن اعتقاده بأنه سوف يتم التوصل إلى اتفاق مع إيران في النهاية.
ليس معروفا حتى الآن ما هي بالضبط تفاصيل المقترحات التي تم طرحها والاتفاق عليها، وبناء على ذلك حدث هذا الاختراق ويجري الترتيب لعقد القمة الأمريكية الإيرانية.
المعروف من هذه الاقتراحات هو أن يتم السماح لإيران بتصدير النفط لفترة محددة، بشرط أن تعود إلى الامتثال لـ الاتفاق النووي، وتوافق على إجراء محادثات مباشرة.
بعبارة أخرى المطروح هو رفع جزئي للعقوبات عن إيران بالسماح لها بتصدير النفط، في مقابل فقط أن تتفضل بالموافقة على إجراء محادثات وألا تخرق الاتفاق النووي بزيادة تخصيب اليورانيوم مثلا.
مفهوم بطبيعة الحال أن ماكرون طرح مثل هذه الأفكار بالاتفاق مع الرئيس الأمريكي.
هذا تنازل كبير جدا لإيران وتراجع هائل عن الموقف الأمريكي المعلن. الموقف المعلن هو أن أمريكا لن تتراجع أبدا عن سياسة ممارسة أقصى الضغوط على إيران ولن تتراجع عن العقوبات المفروضة حتى تقبل بالتفاوض على اتفاق جديد بحسب ما تراه الإدارة الأمريكية.
الآن، ليس مطلوبا من إيران شيء تقريبا، وأمريكا هي التي تقدم التنازلات فقط من أجل عقد لقاء بين ترامب وروحاني.
الأمر المؤكد أن هناك جوانب أخرى غير معلنة في الاقتراحات التي قادت إلى حدوث هذا التحول لا نعرف ما هي.
إلى أن نعرف ما هي بالضبط تفاصيل ما تم الاتفاق عليه، يمكن القول إن إيران حققت فوزا في هذه الجولة، ويحق لها أن تتفاخر بأنها لم ترضخ أو تتنازل وان أمريكا هي التي تراجعت.
نقلا عن صحيفة الخليج البحرينية
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا