في ديسمبر من عام 1999 أقرت الجمعية العامة لـ الأمم المتحدة توصية المؤتمر الوزاري العالمي للشباب في مدينة لشبونة الإسبانية بتحديد يوم 12 أغسطس من كل عام ليكون يوماً عالمياً للشباب، ومنذ عام 2000 وحتى الآن يحتفل العالم باليوم الدولي للشباب باعتباره نصف الحاضر وأمل المستقبل.
ويختلف الاحتفال والاحتفاء بالشباب من دولة لأخرى طبقاً لطبيعة وثقافة وقضايا كل مجتمع، ونوعية التحديات والمشكلات التي تواجه الشباب بشكل خاص والمجتمع بشكل عام، وإن اتفق الجميع على أهمية هذا اليوم في توعية الشباب من خطر الانزلاق إلى الإدمان والجريمة والتطرف والإرهاب، باعتبارها أخطر المشاكل التي تهدد الشباب في المرحلة العمرية ما بين 16 عاماً و24 عاماً.
في مصر الحديثة والجديدة، انتبهت القيادة السياسية إلى غضبة الشباب، وتهميش دورهم بشكل لافت خلال العقود الأخيرة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، بعد أن صارت مصر حكراً على فئات بعينها في كل المجالات، وهو الأمر الذي دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى اتخاذ عدة إجراءات لتفعيل دور الشباب وتوجيه طاقاتهم نحو العمل والتنمية والمشاركة السياسية والاجتماعية، خاصة أن نسبة 65٪ من تعداد الشعب المصري تندرج تحت شريحة الشباب، وهى قوة هائلة يمكن أن تغير وجه الحياة في مصر إذا تم استثمارها وتدريبها وتوجيهها نحو العمل والتنمية.. لذلك كانت البداية بالمؤتمر الوطني للشباب عام 2016 والذي ينعقد بشكل دوري تحت رعاية رئيس الجمهورية، ويحظى باهتمام كل مؤسسات الدولة باعتباره وسيلة اتصال مباشر بين الرئيس والشباب في كل القضايا التي تهم الشباب والمجتمع، ويخرج بتوصيات مهمة تسعى كل مؤسسات الدولة لتحقيقها.
أيضاً انحازت الدولة المصرية إلى الشباب سياسياً، ووصل عدد أعضاء مجلس النواب الحالي من الشباب تحت سن 45 عاماً إلى 185 نائباً – أي حوالي ثلث المجلس – منهم 60 نائباً منتخباً تحت سن 35 سنة، كما انحازت الدولة إلى تمثيل الشباب في المجالس المحلية المنتخبة، بحيث لا يقل عدد الشباب تحت سن 30 سنة عن 25٪ من عدد الأعضاء المنتخبين في المجالس المحلية للقرية والمدينة والحي والمركز والمحافظة، والتي يصل عددها إلى حوالي 60 ألف عضو، أي أن عدد الشباب بالمجالس المحلية القادمة سوف يصل إلى حوالي 15 ألف شاب منتخب يمثلون رقابة شعبية مهمة على الجهاز التنفيذي للمحليات الذي يتشابك مع مصالح وهيئات متعددة، ويمس مشاكل المواطن المصري بشكل مباشر ويومي في القرى والمدن والمحافظات، ويحتاج إلى طاقة ورقابة الشباب.. كما أنه يعد مرحلة تدريب وتثقيف وتأهيل للشباب للعمل العام والإعداد لعضوية مجلس النواب.. وتأتى كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي يوم الاثنين الماضي بمناسبة اليوم العالمي للشباب، لتؤكد من جديد على توجهات الدولة المصرية بالاستمرار في دعم شبابها بالشكل الذي يحقق طموحاتهم، ومستقبلاً أفضل لمصر، ومؤكداً على اعتزازه بشباب مصر المتحمس الواعد الذي يثبت يوماً بعد الآخر أنه سر قوة وحيوية هذا الوطن.
رغم كل هذا الاهتمام وانحياز القيادة السياسية للشباب وقضاياهم ومشاكلهم، إلا أن الواقع الذي يواجهه كثير من الشباب ما زال يشكل عائقاً أمام طاقاتهم وأحلامهم بسبب بعض مؤسسات الدولة التي ما زالت في قبضة الروتين والبيروقراطية، وتحديداً في مشروعات الشباب التي تحتاج إلى تراخيص وموافقات من الأجهزة المحلية وبعض الوزارات والهيئات، وتقف حجر عثرة أمام طموحات الشباب واستثماراتهم الصغيرة والبسيطة، وتدفعهم إلى الإحباط والهجرة.. مثلها مثل بعض الوزارات التي تجاهلت مشاكل العاملين بها والمتغيرات التي حدثت في المجتمع المصري بسبب عملية الإصلاح الاقتصادي، وأنهكت شريحة الموظفين واضطر بعضهم لترك العمل كما حدث في وزارة الصحة، عندما اضطر شباب الأطباء العاملين في المستشفيات والمراكز الحكومية إلى ترك وظائفهم والهروب إلى أوروبا وكندا وبعض الدول العربية بعد أن باتت مرتباتهم المتدنية لا تكفى مجرد انتقالاتهم ومثارا للتندر والسخرية بين شباب الأطباء، ولم تنتبه الوزارة إلا بعد أن فوجئت بأزمة حادة وعجز شديد للأطباء في المستشفيات ومراكز وزارة الصحة والمراكز العلاجية التابعة لها.
مصر في حاجة إلى مشروع قومي للشباب لاستيعاب طاقاتهم وأفكارهم وأحلامهم وتحويلها إلى واقع يحقق التنمية المستدامة لمصر.. وفى اعتقادي أن هذا المشروع يكمن في الصناعات الصغيرة والمتوسطة، بحيث ينتشر في كل أرجاء مصر من خلال تحديد موقع في كل مدينة أو مركز للصناعات الصغيرة، وتحديد موقع أو أكثر في عواصم المحافظات للصناعات المتوسطة، ويكون هناك مجلس أعلى لهذا المشروع القومي من الوزراء المعنيين والمحافظين ورؤساء البنوك، وتحت رعاية ومتابعة رئيس الجمهورية لتحويله إلى واقع يستوعب طاقات وطموحات الشباب وينقل مصر إلى التنمية المستدامة والحداثة.
نائب رئيس الوفد