غير مصنف

المجتمع الكردي بين المطالب السياسية ورفض عنف “بي كا كا”

تعتبر المسألة الكردية في تركيا من أخطر وأكثر المشكلات تعقيداً منذ أن ورثتها الجمهورية التركية إثر سقوط الخلافة العثمانية.

وأدى دخول الأكراد بحزب سياسي إلى مبنى البرلمان التركي، إلى تباين تقديرات المواطنين الأكراد بشأن العلاقة التركية الكردية، خاصةً وأن الصوت الكردي كان حاسماً في تغير موازين القوى على الساحة السياسية في البلاد.

وبالرجوع إلى المجتمع الكردي، واستطلاع رأي شرائح مختلفة منه، اتضح أن هناك مطالب مجتمعية يحتاجها الأكراد من الحكومة التركية، في حين يرفض أغلبهم، في الوقت ذاته، العنف الذي ينتهجه حزب العمال الكردستاني.

ومن اللافت للانتباه، رفض غالبية من قابلناهم التصريح بأسمائهم خشية مضايقات من قبل أعضاء حزب العمال الكردستاني، التي قد تصل في بعض الأحيان إلى التصفية الجسدية حسب قول بعضهم.

وأكد صحفي كردي بجريدة زمان التركية، أن “هناك أزمة حقيقية بين الأكراد وتركيا، لدرجة بات يصعب على أعضاء الجيش التركي أو الحكومة المرور من بعض المناطق بالشرق إلا بعد الحصول على تصريح من حزب العمال الكردستاني المسلح”، مشيراً إلى أن “التواجد التركي هناك شكلي ليس أكثر، ضارباً المثال بمدينة جزرا التركية”.

وأضاف الصحفي أن مسيرة أوسلو التي بدأت في عام 2006، تضمنت لقاءات وجلسات سرية بين الحكومة التركية من جهة والأكراد من جهة أخرى، إلا أن الرأي العام التركي علم بهذه اللقاءات عام 2011 عبر تسريب بعض اللقاءات، مما عطّل استمرار الجلسات، في وقت شعر الأكراد بحالة من الرضا بسبب ما توصلوا إليه عبر اللقاءات السرية، واعتبروها بداية للتفاوض، ومن بين ما اتفقوا عليه إشكالية الحكم الذاتي والإفراج عن عبدالله أوجلان، بالإضافة إلى الحقوق الأساسية.

وأشار الصحفي الكردي، إلى أن توقف عملية السلام أسفرت عن تأسيس “اتحاد العمال الكردي” وأصبح حزب العمال الكردستاني تابعاً له، حيث يقوم الاتحاد بتسليح حزب العمال الكردستاني.

وحذر الصحفي من خطورة اتحاد العمال الكردستاني الآخذة في النمو، واتساع نفوذه “لدرجة بات يسبق الشرطة والمخابرات التركية”، على حد تعبيره.

ولفت الصحفي بالقول إلى أنه بالرغم من شعور الشعب الكردي بانفصاله نفسياً عن تركيا، إلا أن هناك فئة قليلة ترغب في العودة إلى عملية السلام، مع عدم قدرتهم الإفصاح بتلك الرغبة خوفاً من التصفية الجسدية من قبل اتحاد العمال الكردستاني.

وأكد الصحفي،على وجود حركات كردية تدعم التواصل مع الحكومة التركية إلا أن تأثيرها ضعيف جداً، ولم تحصل في الانتخابات الماضية مجتمعة على 24% من نسبة أصوات الأكراد.

وعلى صعيد آخر، أكد الصحفي على أن المجتمع الكردي آخذ في دعم حزب العمال الكردستاني، مستشهداً بطلب الحزب من المحلات، بالمنطقة الكردية شرق تركيا، أن تغلق أبوابها في وقت مبكر، فاستجاب الجميع دون معارضة، وهو بخلاف الماضي حيث كان قليل منهم يستجيب لمثل هذه القرارات.

وربط الصحفي استجابة المجتمع الكردي لتنفيذ قرارات حزب العمال الكردستاني بالخوف منهم ومن الآذى حال رفضهم التنفيذ.

وأشار الصحفي الكردي إلى أن اتفاق أوسلو وما ترتب عليه من اتفاقات هي بمثابة أفضل ما توصلت إليه المفاوضات مع الحكومة التركية، وهو يُضاف إلى انتصاراتهم التي حققها “بي كا كا” على جبهات القتال، وخاصةً ما حدث في كوباني “عين العرب”، مما زادت من شعبية “بي كا كا”، الأمر الذي عزز ثقته بنفسه.

وحول الدعم الخارجي لحزب العمال الكردستاني، قال الصحفي، في حواره مع “الخليج أونلاين”، إن وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف ذهب إلى جبل قنديل والتقى بالأكراد وأخذ معهم صورا تذكارية، بل أذاع الطرفان هذه الزيارة، في محاولة لتأكيد قوة حزب “بي كا كا” لدرجة أن يزورهم وزير الخارجية الإيراني.

وأضاف الصحفي أن كلاً من إيران وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا تمدهم بأسلحة متطورة للغاية، مستشهداً بكون أكراد سوريا الذين وصلوا إلى حكم ذاتي، بعد 4 سنوات فقط، فمن باب أولى أن يكون لحزب العمال الكردستاني الحق في حكم ذاتي لأنه يعمل منذ أكثر من 40 عاماً.

وبالطبع تأتي إسرائيل في صدارة الدول الداعمة للأكراد، حيث تعود جذور العلاقة بين الاحتلال الإسرائيلي وكردستان العراق إلى ما قبل النكبة الفلسطينية بعدة سنوات.

وبحسب الباحثة المتخصصة بالعلاقات الكردية-الإسرائيلية، عفرا بنجو، فإن العلاقات الكردية الإسرائيلية تعمقت بسنوات الخمسين من القرن الماضي، وذلك اتباعاً لمبدأ “عدو عدوي صديقي”؛ باعتبار أن النظام الحاكم في العراق كان معادياً لقيام دولة الاحتلال في أرض فلسطين.

وعليه، بحسب بنجو، كان توطيد العلاقة مع أكراد العراق في الإقليم الشمالي جزءاً من سياسة دولة الاحتلال للخروج من العزلة الإقليمية على إثر القطيعة مع الدول العربية المحيطة بها. فكانت سياسة “تحالف الأقليات” وحمل شعارات “وحدة المصير” والتشبيه بين “التجربة الإسرائيلية” في إقامة دولة قومية وبين المشروع الطموح للأكراد بإقامة دولتهم، ركيزة العلاقات لعقود لاحقة.

وإلى جانب الحرص الإسرائيلي على الخروج من العزلة الإقليمية، وذلك بتعزيز العلاقات الإسرائيلية الكردية، فقد أرادت حكومة الاحتلال من أكراد العراق مساعدتها على مواجهة الأنظمة العراقية المتعاقبة. ووصلت العلاقات إلى أوج ازدهارها بين عامي 1965 و1975، عندما قدمت دولة الاحتلال، سراً، دعماً عسكرياً للأكراد، وقامت بتدريب قوات البيشمركة الكردية وتزويدها بالسلاح، إلى جانب تقديم دعم مدني، مثل بناء مشافٍ ميدانية، وإعداد وطباعة كتب تدريس اللغة الكردية، كما أكدت الباحثة عفرا بنجو.

وأكد الصحفي بجريدة الزمان التركية أن إيران تدعم حزب العمال الكردستاني في تركيا بهدف إضعاف الأكراد في إيران، ويرى في الوقت ذاته أن المشروع الكردستاني الكبير من الصعب تحقيقه، لأن قيادات الأكراد في كل المناطق متناحرين ومختلفين فيما بينهم، حيث يرى كل واحد منهم أنه أحق بقيادة الاتحاد أو المشروع الكردستاني الكبير عن الآخر، معتبرا أن هذا الصراع سيستمر ولن يتوقف، إلا أنه لم يستبعد إنشاء دويلات صغيرة.

ويؤكد أن هناك نحو 35 مدينة في شرق تركيا أعلنوا الحكم الذاتي بعيداً عن الحكومة التركية، وهذا يؤكد أن الحكومة التركية فقدت سيطرتها على تلك المناطق، حيث أنه بالرغم من وجود قوات الجيش والشرطة، إلا أنهم لا يستطيعون الخروج إلا بإذن من أعضاء حزب العمال الكردستاني.

وأشار الصحفي إلى أن حزب العمال الكردستاني يقوم الآن بتخزين كميات ضخمة من الأسلحة لدى المواطنين الأكراد، وأنه بات الطفل والمرأة يقاتلان جنباً إلى جنب مع الرجل، بل إنك تجد إمرأة يتجاوز عمرها الـ50 عاماً وهي تحمل السلاح وتلقي حتفها سعياً لإقامة دولة كردية، هذا فضلاً عن الأسلحة القتالية الثقيلة المتقدمة التي يحوزونها للقتال ضد الجيش التركي.

ومن جانبه، استنكر بلال، 24 عاماً، وهو أحد العمال الأكراد المقيمين بتركيا، ما يحدث من عنف وقتل يمارسه حزب العمال الكردستاني ضد المجتمع التركي، وفق ما قاله في تصريح خاص لـ “الخليج أونلاين”.

وأشار بلال إلى أن الحكومة التركية تسعى، جاهدةً، لتعليم الأكراد اللغة التركية، فأنشأت مدارس عديدة لهم في الشرق، بهدف الاندماج أكثر في المجتمع التركي، باعتبارهم فصيلاً مهماً للدولة، مؤكداً في الوقت ذاته رفض كثير من الأكراد نهج العنف الذي يتبعه حزب العمال الكردستاني، بل أكد على رغبة الأكراد دعم عملية السلام وإعادة ملف التفاوض مع الحكومة التركية مرة أخرى.

وأكد بلال أن العشائر الكردية اجتمعت في الشرق التركي عدة مرات، حيث أصدروا بيانات يرفضون فيها العنف ضد الحكومة التركية، ويؤكدون أن الحكومة التركية لا تمتنع عن تقديم خدمات لهم، ففتحت المدارس الكردية، وأطلقت قناة فضائية باللغة الكردية، بل وصل الأمر إلى عدم الخوف في الإعلان عن كونك كرديًا في أي مكان، فلا مشكلة في ذلك، وهو كان صعب المنال في العقود السابقة، مؤكداً أن هذا الفضل يُحسب للحكومة التركية الحالية.

ولفت بلال إلى أن حزب العمال الكردستاني يسيطر حالياً على مناطق عديدة في الشرق التركي، لدرجة بات يصعب على الجيش التركي التواجد فيها، فضلاً عن قيام “بي كا كا” بتصفية جسدية لرموز كردية ترفض وجوده، وترفض دولة كردية قائمة على العنف والصدام مع الجار التركي.

وحذر بلال من ازدياد دعم الأكراد لحزب العمال الكردستاني، مشيراً إلى أن عددهم في تركيا ما بين 15 إلى 18 مليون نسمة، من بينهم 5 ملايين كردي يدعمون إقامة دولة كردية ويدعمون حزب العمال الكردستاني.

وحول تمويل حزب “بي كا كا”، أكد بلال على أن أثراء الأكراد في تركيا، هم من الشرائح الهامة في تمويلهم فضلاً عن دول خارجية كالصين وروسيا وإيران وألمانيا، بالإضافة إلى الدعم الخفي الذي تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية.

وأشار بلال إلى أن إيران تدعم أكراد تركيا بهدف إضعاف الأكراد في إيران، بالإضافة إلى تحفيز أكراد إيران على الانضمام لأكراد تركيا.

وقال بلال إن هناك نحو 5 قنوات كردية تعمل ضد النظام التركي، أهمها قناة “روجديه” التي تُبث من ألمانيا، وتقوم على تمويلها الحكومة الألمانية أيضاً، في وقت لا يعترف حزب العمال الكردستاني بالقنوات الموالية للحكومة التركية والناطقة بالكردية، باعتبارها قنوات تتحدث باسم عدوها.

ومصطلح الأكراد تاريخياً كان يطلق على جميع البدو الرحل والقبائل البدوية في إيران على اختلاف أعراقهم ولغاتهم بما في ذلك البلوش والفرس واللور، وهم شعوب تعيش في غرب آسيا شمال الشرق الأوسط.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى