ساعات فقط فصلت تصريحات وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي، موشيه يعالون ظهر الخميس، التي قال فيها إن السلطة الفلسطينية تعتمد أمنياً وسياسياً على “إسرائيل”، عن إعلان الجيش نفسه أن مقاومين فلسطينيين نفذوا عملية إطلاق نار أسفرت عن مقتل مستوطنين اثنين أحدها ضابط سابق في قوات النخبة بالقرب من مدينة نابلس بالضفة الغربية.
الهجوم الذي نفذه مقاومون فلسطينيون جاء بعد يوم واحد من خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الأمم المتحدة، أعلن فيه “أن السلطة الفلسطينية لن تلتزم بتنفيذ الاتفاقيات، ما دامت إسرائيل مستمرة في خرقها”، ملوحاً بالانسحاب من اتفاقية أوسلو بوجه الاحتلال الإسرائيلي، في خطوة هي الأولى من نوعها من قبل السلطة التي تربطها علاقات أمنية وسياسية مع الاحتلال.
السلطة الفلسطينية في أكثر من مناسبة أعلنت أنها ترفض أي انتفاضة مسلحة جديدة، وتطبق ذلك على الأرض بمنع احتكاك الفلسطينيين بقوات الاحتلال، حتى وصل الأمر إلى كشف أجهزتها الأمنية للخلايا التي نفذت عمليات إطلاق النار في الأشهر الماضية على المستوطنين واعتقلتهم. إلا أن القبضة الأمنية الحديدية التي يفرضها الاحتلال من جهة والسلطة الفلسطينية من جهة أخرى لم تمنع استمرار عمليات المقاومة ولو بشكل متباعد.
– ترحيب بالعملية الفدائية
ولاقت العملية الفدائية التي وقعت الخميس ترحيباً من قبل الفصائل الفلسطينية، وخصوصاً أنها جاءت في ظل الاعتداءات التي يتعرض لها المسجد الأقصى من قبل الاحتلال ومستوطنيه، إذ رحبت كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح بالعملية وأعلنت عن انتهاء ما أسمتها “الهدنة السياسية” التي كانت سارية المفعول في مدن الضفة الغربية والقدس مع الاحتلال الإسرائيلي.
وأكد أبو خالد طوابلة، وهو أحد قادة كتائب شهداء الأقصى في مخيم جنين بالضفة الغربية، أن “المقاومة الفلسطينية الآن فتحت صفحة رد ومواجهة جديدة مع الجيش الإسرائيلي، ومستوطنيه، في مدن الضفة والقدس”.
من جانبها باركت كتائب القسام الجناح العسكري لـحركة حماس عملية إطلاق النار، وقال أبو عبيدة الناطق العسكري باسم الكتائب في تغريدة له على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”: “نبارك العملية البطولية ضد المغتصبين الصهاينة، وهي رد طبيعي على جرائم الاحتلال ومغتصبيه في القدس والضفة”. وشدّد أبو عبيدة على أن عملية نابلس “لن تكون الأخيرة” من نوعها.
– انتفاضة من نوع آخر
ومنذ أن خفتت انتفاضة الأقصى عام 2005 وحتى اليوم، يترقب الفلسطينيون وغيرهم “مارد” انتفاضة جديدة ضد الاحتلال الإسرائيلي، خاصة في ظل انسداد الأفق السياسي منذ ذلك الحين، وممارسات الاحتلال التعسفية على الأرض ضد الشجر والبشر والحجر في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في ظروف مشابهة لتلك التي سبقت انتفاضة عام 2000.
وبالرغم من وقوع العديد من العمليات الفدائية ضد الاحتلال في الضفة الغربية خلال السنوات الماضية، إلا أن الحراك لم يتحول إلى انتفاضة شاملة، وبقي في طور العمل الفردي وردات الفعل الشعبية.
الدكتور أحمد رفيق عوض، أستاذ السياسة والإعلام في جامعة القدس، يرى ، أن الضفة الغربية “مهيأة بقوة لانتفاضة جديدة، بسبب ممارسات الاحتلال ضد الإنسان الفلسطيني والقيم الدينية والثقافية لديه”، لكنه استدرك قائلاً: “إن ما يحدث الآن هو شكل جديد من أشكال الانتفاضة، تختلف عن الانتفاضة الماضية، فالشعب الفلسطيني مبدع يمارس انتفاضة من نوع آخر تحافظ على استمرارية الحياة، وفي الوقت ذاته تنهك إسرائيل”.
وأشار عوض إلى “أن الانتفاضة لم تتوقف بالمعنى الحرفي، فالعمليات التي وقعت هي جزء من مقاومة مستمرة من قبل أفراد وفصائل، لكن دون التحول إلى مواجهة شاملة بهدف امتصاص ردات الفعل الإسرائيلية”.
وأضاف المحلل السياسي أن “إسرائيل لديها 500 ألف مستوطن في الضفة الغربية بين المناطق الفلسطينية، وهم نقاط أمنية مكشوفة للفلسطينيين، لذلك لا يمكن لإسرائيل تحقيق الأمن بسبب هذا التداخل الديمغرافي”.
أما بالنسبة لتأثير خطاب الرئيس الفلسطيني في الأمم المتحدة وتصريحاته بعدم الالتزام بالاتفاقيات الموقعة والانسحاب من اتفاقية أوسلو، يرى عوض “أن تصريحات أبو مازن ستبقى كلاماً بسبب غياب الظهير العربي لأي خطوة تقوم بها السلطة بهذا الاتجاه، فالتكلفة ستكون كبيرة ولن يستطيع أبو مازن تحملها دون ظهير عربي وعالمي، وما هو غير موجود حالياً”.
التصريحات التي أدلى بها وزير جيش الاحتلال يعالون حول اعتماد السلطة الفلسطينية على “إسرائيل” تتناقض مع واقع الحال على الأرض الفلسطينية، فبالرغم من الإجراءات التي يتغنى بها الاحتلال، وتحاول السلطة الفلسطينية تطبيقها لمنع أي حوادث أمنية، إلا أن الحراك المقاوم استطاع اجتراح شكل جديد من أشكال المواجهة، والتي تعتمد على الاستنزاف دون الدخول في مواجهة مباشرة مع الاحتلال.
ومع استمرار انسداد الأفق السياسي، سيبقى الميدان في الأراضي الفلسطينية هو صاحب الكلمة بتوجيه بوصلة الحدث في الأيام القادمة، في ظل حقيقة أن كل المؤشرات تدلل، وفق محللين ومراقبين، على أن الأحداث مرشحة للتطور على الأرض.