وضع اللاجئ الفلسطيني في دول الشتات، أي الدول التي لجأ إليها بعد نكبة فلسطين في العام 1948 وقيام «دولة إسرائيل»، وضع تتباين فيه مستويات الرعاية وبنود الحقوق والواجبات والصفة القانونية.
وازداد هذا الوضع تأزماً مع طول فترة إقامة اللاجئين في الدول التي لجؤوا إليها حتى بدأت تظهر دعوات لإيجاد حلول لهم في ظل انسداد أفق تحقيق «حق العودة» إلى ديارهم الأصلية، وفشل المفاوضات السياسية وتعنت «إسرائيل» في تطبيق القرار 194 الصادر عن مجلس الأمن والذي يقضي بعودة اللاجئين إلى بلادهم.
ويبدو أن هذه الدعوات تأخذ طابعاً تأزمياً بعد كثرة الحديث عن صفقة القرن التي يقال إنها تتنازل عن حق عودة اللاجئين، وتصريحات كوشنر التي تلمح إلى بقائهم في أماكنهم، أي توطينهم، وهذا ما أثار حفيظة وخشية الدول التي تستضيفهم أو تستقبلهم، إضافة إلى خوف الفلسطينيين أيضاً.
وقد تعاملت الدول التي لجأ إليها الفلسطيني بطرق مختلفة، فسوريا مثلاً عاملته كما تعامل مواطنيها في حق العمل والحصول على خدمات التعليم والعلاج والإقامة والتملك ولم تمنحهم الجنسية، بينما عاملت الأردن اللاجئ بطريقة مختلفة فمنحتهم الجنسية بفئات مختلفة، جواز سفر لسنة وجواز سفر لخمس سنوات، واندمج اللاجئ الفلسطيني في الأردن حتى تسلم مناصب عليا في الحكومات المتعاقبة، زادها النَسَب الذي وطد العلاقات، فتزوج الملك الراحل الحسين من فلسطينية وكذلك ابنه الملك عبدالله، وبات ولاء الفلسطيني للأردن يوازي انتماءه لفلسطين إن لم يكن أكثر.
واقع اللاجئ الفلسطيني في لبنان مختلف كلياً عن وضعه في سوريا والأردن، حيث تخلت الدولة اللبنانية عن مسؤولياتها لصالح وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) التي قدمت لهم الخدمات التعليمية والعلاجية ووفرت فرص عمل للكثيرين، لكنها ومنذ سنوات وبعد وقف الولايات المتحدة الأمريكية مساهمتها، تعاني أزمات مالية تهدد قدرتها على مواصلة تقديم خدماتها ما يجعل الفلسطيني يعيش في قلق مستمر، في ظل منع الحكومة اللبنانية اللاجئ الفلسطيني من حق العمل والانتماء للنقابات والحصول على حقوق.
منذ أيام بدأت الدولة اللبنانية بتطبيق القانون الذي تم سنّه منذ العام 2005 وتم تعديله في العام 2010 وينص على أن على جميع العمال الأجانب الحصول على إجازة عمل، وفي سياق تطبيق هذا القانون تم طرد عمال فلسطينيين من أعمالهم وأقفلت محال لهم بذريعة التسوية، فعم الغضب التجمعات الفلسطينية وخرجوا في مظاهرات نهارية وليلية كما تقول التقارير، ما أدى إلى وقف الحكومة اللبنانية لإجراءاتها والعودة إلى الواقع السابق مع استمرار لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني بمناقشة سبل تطبيق القانون الذي يواجه إشكالية تتعلق بوضع الفلسطيني في لبنان، هل هو عامل أجنبي أم عامل مهاجر أم عامل لاجئ، والقانون الدولي يتعامل مع كل حالة بطريقة مختلفة. والسؤال الذي يطرحه الفلسطينيون: لماذا الآن؟ ويخشون أن يكون ذلك على صلة بصفقة القرن التي ستفرض توطين اللاجئين الفلسطينيين في أماكن وجودهم.
القضية حتى الآن يمكن تفهمها والتعامل معها إنسانياً واقتصادياً وسياسياً، لكن متابعة دقيقة للأحداث والتصريحات المتصاعدة على وسائل التواصل الاجتماعي تجعل الوضع مرشحاً لفتنة كبيرة، فقد ظهرت أصوات تطالب بتحرير لبنان من (الاحتلال الفلسطيني)، وهي الدعوات التي سبقت الحرب الأهلية التي تفجرت في العام 1975 وشارك فيها الفلسطينيون حتى العام 1982 حين خرج المقاتلون الفلسطينيون من لبنان، ورغم ذلك استمرت الحرب الأهلية ثماني سنوات أخرى بعد الخروج.
الوضع خطير في لبنان وعلى جامعة الدول العربية التدخل فوراً لمعالجته وتقديم الدعم للأطراف كلها بهدف التهدئة ومواصلة التعايش، خاصة أن الفلسطينيين لم يختاروا البقاء في لبنان، ولا أطماع سياسية لهم هناك، والخشية كل الخشية، وهذا ما بدأ يظهر، أن تتسلق التنظيمات المتطرفة على الحدث وتستغله لصالحها، وتؤجج الصراع بهدف خلط الأوراق، فهذه التنظيمات التي لها صلات قوية بالإخوان المسلمين لديها مشاريع أكبر من حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وتتجاوز القضية الفلسطينية برمتها نحو بناء الخلافة الإسلامية تحت شعار (الإسلام هو الحل)، وإذا ما نجحوا في سرقة الاحتجاجات الفلسطينية كما سرقوا التظاهرات العربية في دول مثل سوريا ومصر وليبيا فإن لبنان سيدخل في معارك لا تبقي ولا تذر، لا سيما أن الطائفية متغلغلة في جسده، والاحتقان بلغ الحلقوم. وكثيرون يلعبون بالورقة الفلسطينية لتفجير الصراع. والمطلوب أن ينأى الفلسطيني في لبنان بنفسه عن التجاذبات الطائفية وأن يحتج بالوسائل السلمية لتحسين وضعه، والحديث مفتوح على سيناريوهات كثيرة.