ثمّة في هذه الربوع من لا يريد الخير لتونس ومن يريد تدميرها وتدمير مقوّمات نموذج حضاري تفرّدت به في جغرافيا اقليمية يكاد بابها يكون مفتوحا على الماضي والتخلّف فقط وهو لذلك يتفنّن في اختلاق الازمات وتوفير الشروط المؤدّية لها.. والأزمة بين تونس ودولة الامارات العربية المتحدة هي من قبيل هذه الأزمات المفتعلة.
لم نعرف على مدى تاريخ البلدين ان أزمة أو شبهها حصلت وشوّشت نظام العلاقات الديبلوماسية والاقتصادية والسياسية بين تونس والامارات.
وكان القاسم المشترك بين البلدين يكاد يكون مطلقا من حيث الأسس التي انبنت عليها السياسة الخارجية لكلّ من تونس والامارات العربية المتحدة.. وهي سياسة قوامها المصلحة الوطنية وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول ونبذ سياسة المحاور والتركيز على بناء وتطوير علاقات جيدّة مع كلّ الدول على أساس هذه المبادئ المتناغمة مع قواعد القانون الدولي
ولم نسمع أن تونس أو الامارات العربية المتحدة دخلت في نزاعات اقليمية او دولية الاّ فيما تعلّق بمصلحة الوطن وهذا أمر مشروع، وكان هذا هو أساس العلاقات بين البلدين منذ أن كان الزعيم بورقيبة والشيخ زايد على رأس الدولتين.. وهو ما مكّن البلدين من تطوير حجم المعاملات بينهما وذلك الى حدود نهاية 2010.
وحيث كان من المنتظر ان يشهد حجم العلاقات بين البلدين طفرة كبرى من شأنها مضاعفة الناتج الوطني الخام حدث العكس تماما وتقلّص حجم المعاملات وخيّمت الغيوم على سماء العلاقة بين تونس والامارات ونجح المخرّبون في خلق أزمة مفتعلة بالكامل.. وتعطلت المشاريع ويكاد التواصل بين البلدين ينعدم.
وأضحى تبعا لذلك من الملحّ معرفة الأسباب والكشف عن المتسببين في الأزمة.. ومعلوم انه بعد «بهتة» حكومة محمد الغنوشي في 14 جانفي 2011 وعقم أداء حكومة السبسي الأولى جاءت حكومة «الترويكا» بقيادة «النهضة» لتقطع في سياستها الخارجية مع تقاليد الدبلوماسية التونسية وأصبحت بالتالي طرفا في أزمات خارجية داخل بعض الدول او بينها وارتبطت حكومة «الترويكا» موضوعيا بأجندات خارجية وذابت المصلحة الوطنية التي كانت أساس سياسة تونس الخارجية وانعدمت بالتالي سيادية القرار الوطني،
ووجدت تونس نفسها تخوض «معارك» بالوكالة ولحساب الغير المعلوم وأضحى «الموقف التونسي» رهين الأجندة القطرية و«الاخوانية» عموما والتي هي بعيدة عن ان تكون محل اجماع داخل دول مجلس التعاون الخليجي وهو الامر الذي لم تكن دولة الامارات العربية المتحدة تنظر اليه بعين الرضا وهي محقة في ذلك فضلا عن ان ذلك يتضارب في العمق مع مصلحتها الوطنية.
وأصل الداء «نهضة» قدّرت انّ زمن «الاخوان» حلّ بمباركة غربية أمريكية تحديدا وان رياح التغيير ستهبّ على كلّ الدول العربية وحتى الخليجية منها، ولذلك فانّ الحزب الأغلبي (النهضة) بنى كلّ مواقفه وسياساته على فرضية وصول «الاخوان» الى الحكم في أغلب الدول العربية وبدأ بالتالي في التأسيس لنظام مرحلة «حكم الاخوان».
وفرع الداء «حزب مؤتمر» ينتمي الى جيل الاحزاب الفوضوية الجديدة، يرى ان الدمار يجب ان يسود ولم نعلم له برنامجا سوى الهدم والخراب والحقد والثأر واستثمار كلّ ذلك من أجل بحبوحة العيش ونهم السلطة. وهو حزب لعب دورا أساسيا في تخريب مقومات الدولة والمجتمع التونسيين تحت مسمى «تحقيق اهداف ثورة» بان لاحقا زيفها او على الأقل تبين انه وقع تحويل وجهتها الى المجهول الذي تتخبط فيه تونس الى الآن..
هذا هو أساس وأصل الداء في تخريب العلاقة بين تونس ودولة الامارات العربية المتحدة وقد نسجت خيوطه الأولى حكومة «الترويكا» بمختلف احزابها وان كان ذلك لأسباب اختلفت من حزب الى آخر.. وفيما زاد عن ذلك فالقضية أضحت مسألة إخراج..
وانفجرت الأزمة في وجه حكومة الصيد والتي لم تقدر الى حدّ الآن على احتواء الأزمة وتجاوزها بسبب غياب رؤية واضحة للسياسة الخارجية وضعف آداء الساهرين عليها وكذلك نتيجة استمرار اسباب هذه الأزمة مع حكومة الحبيب الصيد بحكم تواصل نفوذ حركة «النهضة» رغم وجودها «الأقلي» داخل الفريق الحكومي فضلا عن غياب مساندة جدية من حزب «نداء تونس» الذي تنخره الصراعات الشخصية وتشلّ أداءه. .
اليوم ، تقف تونس على شفا الانهيار الاقتصادي وجاء تقرير «دافوس» الأخير ليؤكد ذلك حيث تفيد الارقام تراجع تونس بستين مرتبة في خمس سنوات لتحتل المرتبة 92 عالميا في تصنيف القدرة التنافسية وهي لذلك في حاجة أكيدة لكلّ علاقاتها التقليدية والمستحدثة وعلى رأسها العلاقة مع دولة الامارات العربية المتحدة. ولذلك فانه مطلوب من حكومة الصيد القطع مع التردد ومواجهة المشكل بشجاعة واستئصال أسباب الأزمة والتصرف كحكومة تمتلك ناصية القرار.
مطلوب ايضا من رئاسة الجمهورية اسراع الخطى والقيام بما يجب القيام به من وساطات وقد تكون زيارة الرئيس الباجي قايد السبسي لمصر حاملة لبارقة أمل في هذا الخصوص.
المطلوب كذلك، استئصال فوري للورم الخبيث الذي علق بأجهزة الدولة والحكومة حتى يسهل اتّخاذ القرار المناسب وتفويت الفرصة على المخرّبين الفاشلين البائسين.
وفي المقابل ،مطلوب من دولة الامارات العربية المتحدة أيضا تفويت الفرصة على هؤلاء المخرّبين حتى لا تكون ردّة الفعل سببا في مزيد دمار تونس بما يخدم مصلحة طوابير الخراب والدمار.