يصف الإخوة المسيحيون السيد المسيح عيسى – عليه السلام – أو يسوع المسيح أو يسوع الناصري بعدة أوصاف وينسبونه إلى أبوين؛ فمرة يقولون بأنه ابن الله ومرة أخرى يقولون أبن الإنسان وينسبونه ليوسف النجار!! يعني وبحسب هذا الطرح من ناحية نسبه إلى يوسف النجار فإننا نلاحظ إن هذه الولادة حصلت بالظروف الطبيعية التي تمر بها أي امرأة قبل الولادة؛ يعني هناك لقاء وجماع سبب حملًا وبالتالي ولادة؛ وهذا يعني إن المرأة التي تحبل وعندها زوج وهنا لا يمكن أن يتم وصفها بـــ( العذراء ) لأن العذراء كما هو معروف هي الشابة التي لا تزال بكرًا …
إذن لماذا العهد القديم وصفها بالعذراء؟! وبشر بولادة العذراء ولم يذكر صفة أخرى تميز هذه الولادة وإنما جعل ولادة العذراء وركز على العذرية في تلك الولادة كعلامة وميزة تبين تلك الولادة في حال حدوثها وحصولها؛ كما في سفر إشعياء الإصحاح السابع ((وَلكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ» )) وكذلك جاء هذا الوصف في إنجيل متّى في الإصحاح الأول (( هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا، وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللهُ مَعَنَا.)) إذن هناك إشارة ودلالة على إن التي سوف تلد السيد المسيح عيسى – عليه السلام – هي عذراء لم يمسسها بشر مطلقًا؛ وهذا ما يبطل ما ينسب من قول إن عيسى هو ابن يوسف النجار وذلك بنص العهدين القديم والجديد كما ذكرنا ذلك…
قد يقول قائل : –
أولا : إن المسيح ابن الله بالأبوة الجسدية لكن هذا القول مرفوض عقلًا وشرعًا وعلميًا؛ فالعلم والعقل يؤكد إنه لا يمكن التكاثر وإنجاب الذرية إلا من خلال التزاوج واللقاح المادي البحت؛ حتى لو لم تكن هناك عملية تزاوج مباشرة فإنه يؤتى بمني الرجل أو الزوج ويزرع في رحم المرأة يعني وجود مادة؛ يوجد مني؛ توجد عملية تخصيب وتلقيح بويضات؛ هذا بالإضافة إلى إن وضع البويضات الذكرية في رحم المرأة يؤدي إلى زوال بكراتها ولا تصبح عذراء فينتفي منها عنوان وصفة العذرية وهذا ما ينافي البشارة الموجودة في العهدين كون السيدة مريم حبلت وهي عذراء …
ثانيًا : إن السيدة مريم حبلت بأمر من الله وليس بطريقة مادية وإنما الله تعالى أمر بأن تحبل؛ فحبلت دون أي تدخل مادي ومن دون أب جسدي وإن يوسف النجار وصف بأنه أب لعيسى – عليه السلام – من حيث التبني وإنما عيسى ابن الله لأنه وجد بكلمة منه أو بأمر وهو كلمة الله وكلمة الله هي البداية ومنها خلق كل شيء إذن وجود عيسى من القدم والأزل …
وهنا نرد على هذا الطرح والقول بأمرين :
الأول : نرد بما أثبته سماحة المحقق الصرخي من بطلان هذه العقيدة من خلال بحثه الموسوم (مقارنة الأديان بين التقارب والتجاذب والإلحاد) تحت عنوان (لا أزليّة ولا لاهوت.. في اتحاد اللاهوت بالناسوت)،وقد ناقش الأستاذ المعلم هذه العقيدة بصورة تفصيلية و سجَّل عليها عشرات الردود والإشكالات العلمية والاستفهامات النقضية التامة وبطرح جديد لم تشهده الساحة العلمية، والتي نسف فيها هذه العقيدة جملةً وتفصيلًا؛ فكان من جملة ما ذكره السيد الأستاذ في بحثه المشار إليه قوله {{… ومادام العالم بل العوالم كانت قائمة قبل حدوث الاتحاد بين اللاهوت والناسوت، وقبل وجود عيسى عليه السلام فيبت أنَّ وجود عيسى ليس ضروريا للعوالم، بل لا حاجة للعوالم بعيسى أصلًا ، لأنَّها كانت موجودة وقائمة ومنتظمة قبل أنْ يوجد عيسى عليه السلام …….. ولمَّا كان عيسى متكونا من طبيعيتين اللاهوت والناسوت، وأنَّ وجود عيسى خارجًا قد تحقق بعد الاتحاد بين الناسوت واللاهوت، وأنَّ هذا الاتحاد قد تحقق متأخرًا أي في وقت حمل مريم بعيسى، فانه يثبت أنَّ عيسى مُحدث وليس بقديم ……. لما اتحد اللاهوت بالناسوت وتكونت طبيعة جديدة فهل هذه الطبيعة طبيعة لا هوتية أو طبيعة ناسوتية باعتبار أنَّ النتيجة تتبع أضعف وأخس المقدمتين، وأنَّ الناسوت أضعف وأخسّ من اللاهوت؟ أو أنَّها طبيعة جديدة لا لاهوتية ولا ناسوتية؟ أو أنَّها طبيعة لاهوتية ناسوتية معًا؟ وعلى جميع الفروض فإنَّها طبيعة جديدة تحقَّقت ووُجِدت بعد الاتحاد فهي طبيعة مُحدثة ليست أزلية وليست قديمة…}}… انتهى الاقتباس من كلام المحقق الصرخي …
الثاني: نقول على حسب هذا المقياس وهذا الطرح فإنه لا توجد أفضلية لعيسى لوجود من خلق من غير أب أيضًا وكان هو أبًا لكل البشرية وأبو الأنبياء ألا وهو آدم – عليه السلام – فهو وجد من غير أب وكذلك كان هو أول المخلوقات المادية وكان سببًا لوجود عيسى وغير عيسى فلماذا لم يطلق عليه أحد عنوان واسم ابن الله؟؟؟!!! وإذا التجأ الآخرون إلى نظرية التطور وأصل نشوء الإنسان – بخصوص وجود آدم – فهذا بحد ذاته يرجعهم إلى عدم أمكانية حصول ولادة وحبل لمريم العذراء بطريقة اعجازية وهذا يعني بطلان ما جاء في العهدين ويصبح ما جاء فيها عبارة عن خرافة لا واقع لها ؛ فلا يصح الاستدلال هنا بهذه النظرية …
إذن نقول إن عيسى – عليه السلام – مخلوق من مخلوقات الله تعالى وليس ابنًا له ولا ابنًا ليوسف النجار وولادته بهذه الطريقة هي من أجل الإعجاز وكذلك حتى يصدق الجميع بنبوته لان علامة نبوته هي ولادته من أم عذراء وإن سلمنا جدلًا بهذا الوصف والعنوان فإنه في هذه الحالة يدل على إن المراد منه هو ( نبي الله أو رسول الله ) وإنها لا تعني الأبوة والبنوة وفق أي مقياس يوضع؛ ومن يستدل بما ذكر في العهدين على ذلك فنقول له إن تلك الكتب هي مورد النقاش فلا يصح الاستدلال بها والنقض من خلالها على الآخرين وإنما الآخرين يستدلون بها على من يعتقد بصحتها .