ورد اسم أو عنوان- ابن الإنسان- في موارد عديدة جدًا في الكتاب المقدس – العهد القديم والعهد الجديد – ويعتقد الأخوة المسيحيون أن هذا الاسم أو اللقب أو العنوان خاص بالسيد المسيح؛ وعندما تعترض عليهم وتقول إن كان المسيح هو ابن الإنسان فكيف يوصف بابن الله؛ إذ أن عنوان- ابن الله- أيضًا ورد في هذه الكتب ؟.
وهنا يطرحون العقيدة اللاهوتية والناسوتية؛ حيث يقولون إن عندما نقول ابن الله لأنه إله كامل فهو ابن الإله لصفته الإلهية (لاهوت) ؛ وعندما نقول ابن الإنسان ذلك لأنه إنسان كامل فهو ابن الإنسان لصفته الإنسانية (ناسوت) !! يعني عندهم المسيح جمع بين الإلوهية وبين الإنسانية !! وهذه مغالطة واضحة فهو أما يكون إنسان كامل وهذا الكمال الإنساني لا يمكن أن تصاحبه صفة أرقى من صفته الإنسانية كالإلوهية؛ أو يكون إله كامل ولا تصاحب صفة الإلوهية أي صفة أدنى من تلك الصفة كالإنسانية أو البشرية؛ فصفات الإلوهية غير صفات الإنسانية ولا يمكن أن تجتمع بشخص أو بذات واحدة …
فما يقولونه غير تام وغير صحيح عقلًا وشرعًا لأمرين مهمين هما : المنطق العقلي يقول باستحالة اجتماع النقيضين؛ فالإله نقيض الإنسان لأن الإنسان مخلوق والإله خالق كما إن الإنسان ممكن الوجود ووجوده غير ضروري؛ أما الإله واجب الوجود ووجوده ضروري؛ فلا يمكن أن تجتمع الضرورة وعدم الضرورة و الوجوب وعدم الوجوب في نفس الوقت وفي نفس الشخص؛ الأمر الآخر إنه لو سلمنا- جدلا- باجتماع هذين الأمرين في شخص واحد فهذا يعني إن إمكانية حصول هذا الأمر واردة وممكنة الحصول مع أي شخص آخر؛ فلماذا حصلت مع عيسى- عليه السلام- ولم تحصل مع غيره ؟!…
وقد بين سماحة المحقق الصرخي بطلان هذه العقيدة من خلال بحثه الموسوم (مقارنة الأديان بين التقارب والتجاذب والإلحاد) تحت عنوان (لا أزليّة ولا لاهوت..في اتحاد اللاهوت بالناسوت) وقد ناقش الأستاذ المعلم هذه العقيدة بصورة تفصيلية و سجَّل عليها عشرات الردود والإشكالات العلمية والاستفهامات النقضية التامة وبطرح جديد لم تشهده الساحة العلمية، والتي نسف فيها هذه العقيدة جملةً وتفصيلًا …
فكان من جملة ما ذكره السيد الأستاذ في بحثه المشار إليه قوله {{… ومادام العالم بل العوالم كانت قائمة قبل حدوث الاتحاد بين اللاهوت والناسوت، وقبل وجود عيسى-عليه السلام- فيبت أنَ. وجود عيسى ليس ضروريا للعوالم، بل لا حاجة للعوالم بعيسى أصلًا ، لأنَّها كانت موجودة وقائمة ومنتظمة قبل أنْ يوجد عيسى -عليه السلام- …….. ولمَّا كان عيسى متكونا من طبيعيتين اللاهوت والناسوت، وأنَّ وجود عيسى خارجًا قد تحقق بعد الاتحاد بين الناسوت واللاهوت، وأنَّ هذا الاتحاد قد تحقق متأخرًا أي في وقت حمل مريم بعيسى، فانه يثبت أنَّ عيسى مُحدث وليس بقديم……. لما اتحد اللاهوت بالناسوت وتكونت طبيعة جديدة فهل هذه الطبيعة طبيعة لا هوتية أو طبيعة ناسوتية باعتبار أنَّ النتيجة تتبع أضعف وأخس المقدمتين، وأنَّ الناسوت أضعف وأخسّ من اللاهوت؟ أو أنَّها طبيعة جديدة لا لاهوتية ولا ناسوتية؟ أو أنَّها طبيعة لاهوتية ناسوتية معًا؟ وعلى جميع الفروض فإنَّها طبيعة جديدة تحقَّقت ووُجِدت بعد الاتحاد فهي طبيعة مُحدثة ليست أزلية وليست قديمة…}}… انتهى الاقتباس من كلام المحقق الصرخي …
ومن خلال ما طرح من نقوضات منطقية وفلسفية يثبت لنا بطلان هذا الاعتقاد؛ أما مسألة ابن الإنسان فهي أيضًا لا تخص السيد المسيح وهذا ما سنبينه في بحث لاحق إن شاء الله تعالى.