نون والقلم

طارق تهامي يكتب: الوفد..لا يتكرر

تبقى أهم مميزات حزب الوفد التي لا ينافسه فيها أحد، تاريخه النضالي الطويل، وكفاحه، وتراثه الضارب، في جذور الأرض المصرية، منذ مائة عام، لا تكفى أبدًا، لكي نتدارس تاريخ هذا الحزب، الذي نشأ ليبقى، وعاش ليعطى المثل للأجيال، التي تريد معرفة معنى الانتماء، والإخلاص للفكرة.

أما عن الفكرة التي ولدت مع ظهور الوفد عام 1918 لا يمكن لها أن تتكرر، كانت صعبة للغاية، ظروفها التاريخية نادرة، ولذلك سيبقى في التاريخ حزب واحد له مميزات فكرة الوطنية المصرية الجامعة، هذا الحزب اسمه «حزب الوفد» الذي أسسه سعد، وحرص الوفديون عليه، إلى اليوم.

ولذلك، فإنني أقول، دائماً، إن الوفد فكرة غير قابلة للتكرار، ورأيي هذا ليس فيه مصادرة على التاريخ، ولكنه رأي مرتبط بالواقع، الذي يقول إن المصريين لديهم حزب واحد يشعرون تجاهه بعاطفة موروثة، مثل عاطفة الانحياز نحو العائلة، هو حزب الوفد، ولذلك فشلت محاولة الدكتور محمد البرادعى مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق، الذي حاول تأسيس حزب سياسي جديد،  يحمل أفكار حزب الوفد في أعقاب ثورة 25 يناير 2011، بل حاول تأسيسه بنفس التركيبة، التي اعتمد عليها الزعيم سعد زغلول في عام 1918، فقد حاول البرادعى استنساخ الفكرة والتركيبة البشرية، التي تعتمد على تنوع العائلات، والديانات، والنوع، والطبقات، لكن الناس بشكل طبيعي، عرفوا أن هناك أصلًا وفرعًا، ولذلك ارتفعت عضويات الشباب في حزب الوفد عقب ثورة يناير،  بأعداد لم تحدث منذ سنوات طويلة.

من أهم مميزات ثورة 1919 أنها صححت الأخطاء التي وقعت بها الحركات والثورات والانتفاضات الشعبية المصرية السابقة، والتي قادها زعماء مصريون ضد المستعمر الأجنبي فقد طالبت ثورة 19 بشكل صريح منذ اللحظة الأولى لقيام الثورة بإجلاء المستعمر من الأرض المصرية، وهى الثورة التي تكاتف فيها المسلم والمسيحي معاً لأول مرة، فتحول الدفاع عن حرية الوطن، من فريضة دينية، فقط، إلى فريضة وطنية أيضاً، لا فرق فيها بين صاحب دين، ورفيقه من الدين الآخر.

وفى ثورة 19 ظهرت المشاركة الإيجابية النسائية في صورة لم يعتدها المجتمع، بخروجهن لأول مرة في المظاهرات الحاشدة والمنظمة إلى الشوارع، وكانت أول شهيدتين في هذه الثورة السيدتان «حميدة خليل» و«شفيقة محمد». وفى عام 1920 تم تشكيل لجنة الوفد المركزية للسيدات، نسبة لحزب الوفد بزعامة سعد زغلول، وانتخبت السيدة هدى شعراوي رئيساً لها.. وكان هذا إنجازًا تاريخيًا كبيرًا، يستحق الرصد والمتابعة والتقدير.

وسيبقى سعد زغلول قائد ثورة 19 قائداً وزعيماً لا يتكرر، فهو الرجل الذي قال عندما أصبح حاكماً منتخباً جملة لا تٌنسى، فقد أطلق المقولة الشهيرة: «الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة» فكانت أسلوب عمل التزمت به حكومات الوفد التي انحازت للشعب.. زعيم الأمة قيادة نادرة.. تمكن من تعليم الشباب كيف يثورون على الظلم والطغيان.. وكيف يقولون للحاكم نحن أصحاب البلد.

أما مصطفى النحاس باشا ،فقد قضى عمره يدافع عن الوطن وقضيته الوطنية من خلال الوفد الحزب العريق الذي عشقه مثل روحه مستعينًا بالله.. متمسكًا بثوابته التي لا تختلف عن ثوابت كل المصريين الذين كانوا يعملون نهارًا من أجل لقمة العيش ويناضلون ظهرًا ضد الاحتلال ويزورون أولياء الله الصالحين تبركًا بهم فى مواجهة الظالمين والفاسدين ويمسكون بأيدي إخوانهم المصريين بغض النظر عن دينهم لصناعة عروة وثقى تحميهم من الطغيان والتشتت والانحدار.. كانت هكذا مصر وكان مثلها النحاس.. الذي كانت حياته مثل وفاته.. فقد عاش حياته زعيمًا مناضلًا يقاوم الاحتلال ولا يسعى إلى الحكم.. بل كان الحكم هو الذي يأتي أمامه وتحت قدميه.. ومات – أيضًا – زعيمًا بعد أن خرج الناس من بيوتهم ينتحبون ويبكون رحيله.. فقد كانت جنازة مصطفى النحاس هي الدليل الأهم والأكبر على زعامته.. كانت مهيبة.. حاشدة.. في عز مجد جمال عبد الناصر الذي صدمته هذه الحشود التي خرجت لتشييع رجل كان يعتقد أن سيرته قد ماتت قبل وفاته بثلاثة عشر عامًا قضاها تحت الإقامة الجبرية.. وكانت الصدمة الكبرى التي واجهها عبد الناصر هي الهتاف الرئيسي لمئات الآلاف الذين قالوا في الجنازة «لا زعيم بعدك يا نحاس».

ولأن سيرة «النحاس»، كانت وستظل سيرة طاهرة، كانت مسيرته تعكس هذه النظافة في القول والفعل والعمل، ولأنه رجل طيب القلب صادق الكلمة صدقه الناس حتى بعد وفاته بأكثر من خمسين عاماً!! مصطفى النحاس الذي حكم مصر ست مرات غير متعاقبة، وكان رئيسًا للوزراء قادمًا من بين الجماهير، كرهًا لرغبة الملك، ورغم أنف الإنجليز، عاشت سيرته، لأنه تمسك بمبادئه، ولم يتراجع عنها أبدأ!!

وهكذا الوفد.. سيظل يعيش لمئات الأعوام الأخرى.. لأنه حزب قائم على مبادئ لا مصالح.. وسيبقى الوفديون سياج حماية له من كل محاولات اختراقه.. فالوفد كبير ونادر ولا يتكرر.

للمزيد من مقالات الكاتب إضغط هنا

أخبار ذات صلة

Back to top button