نون والقلم

د.الشيماء أبو الخير تكتب: ماذا لو اتخذ مارك قراراً بغلق فيس بوك؟

ماذا لو وجدت هاتفك قد خلا من تطبيق الفيس بوك وبعد محاولات منك لاستراداه تأتيك رسالة تأكيد أن شركة فيس بوك قد أغلقت منافذها الإلكترونية بلا رجعة؟!

هل فكرت يوماً فيما عليك فعله في تلك اللحظة؟ هل ستهرول مسرعاً خارج البيت تملؤك شكوك بتعرض حسابك على فيس بوك للسرقة، أم ستنتظر في منزلك مذهولاً من ضياع صفحتك بذكرياتك وصورك التى تجمعك بأصدقائك، أم ستحاول مهاتفة أصدقائك للتعرف على دوافع هذا القرار؟

تُرى هذا الخبر كم من الشهور سيستغرق تداوله في وسائلنا الإعلامية؟ وكم من المساحات النقاشية التى ستفرد ببرامجنا للنقاش حول حيثياتاتخاذه وتطبيقه؟ كم من القهر سيصيب العشاق الذين طال لقاؤهم خلف تلك الشاشات لساعات ما بين غرف الدردشة وتداول التعليقات والإشارات العاطفية؟

تساؤلات عديدة تحمل في طياتها أجوبة حول عالمنا الافتراضي الذى لا يمكن وصفه سوى  بالمأساوي! فلم نعد نعيش إلا فيه، ولا نحيا إلا عن طريق منافذه.

بالطبع قرار صادم على البشرية جمعاء لكن وقعه سيكون خطير خاصةً في عالمنا العربي، وعلى سبيل التشبيه لو افترضنا أن الصدمات كالأمواج تبدأ بالاندفاع ثم تهدأ.

تعالوا لنتخيل أن الموجة هدأت قليلاً، وبدأ الجميع راضياً عما حدث، فسترى النوافذ تتفتح أمام بعضها البعض وحوارات الجارات عادت من جديد، وترى غرف الاستقبال بالبيوت قد امتلأت بالأصدقاء، وبادر كلٌ منهم بالزيارة والجلوس لساعات ليست طويلة! فلكل منا عمله.

سترى العمال يوقفون  أعمالهم على أن يتم استئنافها بعد آداء الصلاة في وقتها بدلاً من تصفح غرف الدردشة أو التفاعل مع المنشورات، سترى العامل متقن عمله، والطبيب يعالج مرضاه بمنتهى الدقة بعيداً عن البحث عن الشهرة على صفحته العامة على فيس بوك.

تجدون الأسواق وقد امتلأت والأسعار كما المعلن عنها فلا نفاق ولا خداع كما كان يحدث على بعض صفحات التسويق، حتى ستجدون مستوى رضا مرتفع عن جودة البضائع فلا تزيين ولا لعب فيها كما حدث بأحدث برامج تصميم وإضفاء الألوان على الصور بالماضي!

سترون الزوج يحن لزوجته  ويتمنى انقضاء وقت عمله ليذهب مسرعاً لبيته فلا وجود على هاتفه لصور الحب والشجن للغياب التى بينه وبين صديقة بالعمل أو محبوبته في تلك الدولة المجاورة لدولته!

ستعود للأسرة قيمتها وألفتها كما كانت قبل أن يفرقها وجود  هذا المارد المسمى( بالواي فاي)!

سيختار الرجال زوجاتهم بناءً على معيار الأخلاق فلم يعد الاختيار قاصراً على جميلات وضعن صورهن على صفحاتهن متجملات بأجمل فلاتر تلوين العيون وتفتيح الوجه ولم تعد هناك نوافذ للدردشة تكفى للعب بالقلوب عن طريق الأصابع فتراهم يأتون البيوت من أبوابها.

ستعود كلمات اللوم ومواجهة الأمور والسعي لأخذ الحقوق بالقانون بديلاً لانتحال صفات الأشخاص أو تشويههم عن طريق صفحات الفيس بوك.

هكذا عادت الحياة واقعية وعادت مياه الحب لمجاريها في قلوب الناس، وانتهى التجمل بالكلمات على الصفحات وانتهى عصر المجاملات بالتعليقات التى تحمل أجمل  اللفتات المصطنعة، عاد الرجل لزوجته، وعاد الاستقرار للأسرة والحب بينهم دون وجود دخلاء على خصوصياتهم ولحظاتهم الجميلة، وأصبح الكل يتحرى واقع الآخر ويواجهه دون التخفى وراء فلاتر التجميل والنفاق.

كان هذا مجرد لمحة صغيرة لنتخيل حياتنا كيف ستمضى بدون العالم الافتراضي، ولا يمكن أن ننكر أن لهذا العالم إيجابيات تمثلت في تخطى حدود الزمان والمكان ونقل المعلومات لكن بكل أسف أصبح سوء الاستخدام هو الشائع

والحاكم هنا هو العقل فلنمنح واقعنا النصيب الأكبر بدلاً من علاقاتنا الافتراضية، فالله خلق الإنسان ليستخلفه في الأرض وأمره بالكد والعمل في إشارة لتعميرها والتعمير لن يكون إلا على أرض الواقع فقط، ولن يكون خلف الشاشات!

للمزيد من مقالات الكاتبة أضغط هنا

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى