نون والقلم

خريطة الحرب اليمنية الراهنة

تمتد جبهات القتال في الساحة اليمنية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ومن امتداد الشرق البعيد عن تخوم سلطنة عمان و باب المندب وسواحل البحر الأحمر في الغرب، وتنخرط في هذه العمليات الميدانية أرتال من الدبابات والدروع، وأسراب من الطائرات ، وألوية عسكرية منتشرة في مختلف الميادين، بالإضافة إلى الميليشيات العسكرية المسلحة والمدربة، كما يشهد البحر الممتد على مدى أكثر من ألفي كيلومتر حضوراً عسكرياً حصارياً يتوازى مع الحصار الجوي، ويصب في مجرى مقارعة مليشيات الحوثي وصالح.. انتصاراً للشرعية المختطفة انقلابياً، واستناداً إلى تحالف واسع يشمل دول التحالف العربي والجيش الوطني والمقاومة من جهة ، في مقابل تحالف قوات صالح وميليشيات الحوثي التي تتحرك وقد فقدت أي ميزة نسبية في حرب المواجهة العسكرية الشاملة، لكنها ما زالت تراهن على تمديد زمن الحرب من خلال عاملين مهمين، يتمثل العامل الأول في الجغرافيا الطبيعية الجبلية الصعبة التي تجعل من الفرق الميليشياوية عقبة كأداء أمام الجيوش النظامية، ويتمثل العامل الثاني في الانتشار النسقي المدروس لتلك الميليشيات القادرة على تشويش ميدان العمليات باستخدام صواريخ الكاتيوشا ومدافع الهاون والأطقم الميليشياوية المدججة بأسلحة خفيفة ومتوسطة من جهة ، وبنشر الألغام وإرسال المتاح من الصواريخ البلاستية التي بدأت عملياً في التقلص والتلاشي، تماماً كما حصل مع بقايا سلاح الجو اليمني الذي ظل بإمرة صالح .
لكن هذه وتلك من محاولة عرقلة مسيرة الظفر العسكري للقوات المتحالفة لن تنجح قياساً بالحقيقة الواقعية المجردة التي يعرفها العسكريون قبل غيرهم، فالتفوق الميداني الكاسح للتحالف العربي يرتقي بمشاركة واسعة للجيش الوطني الذي تكون مع جمرات المحارق والموت، والمقاومة الشعبية الشبابية العنيدة التي أثبتت جدارة استثنائية في عدن والضالع وتعز وأزال والبيضاء ورداع.
ومن الجدير بالذكر هنا أن مسار العمليات يتوزع إلى مستويين واضحي المعالم: المستوى الأول يتعلق بالجيوش النظامية التي تخترق جبهة مأرب ، بوصفها الجبهة الأقرب للعاصمة صنعاء من جهة .. كما أنها جبهة ممتدة بتضاريس أفقية تتخللها بعض التباب والجبال غير العالية .. ما يسمح بفاعلية استثنائية للدروع والدبابات والمشاة ، كما يسمح لطائرات الأباتشي بتمهيدات قاتلة ضد المواقع الحوثية الصالحية، وفي الوقت ذاته تتنقل القاصفات المقاتلة لمزيد من تهديم البنية التحتية للحرسين الجمهوري والخاص ، بحيث تكتمل رباعية الحصار القاتل للحوثيين والصالحيين من خلال الحصارين البحري والجوي الشامل ، بالإضافة إلى حصار العاصمة صنعاء بقطع طرق الإمدادات عبر جبهتي مأرب وباب المندب ، ما يحيل الوضع الميداني إلى حرب شاملة تتعدد فيها المعارك وأشكالها وتحولاتها .
ففي تعز والبيضاء ورداع وضواحي صنعاء معارك ميليشاوية بين المقاومة والحوثيين، وفي عدن وبعض المحافظات الجنوبية ترسيخ لاستقرار وتفعيل السلطة الشرعية القادمة من مرئيات المبادرة الخليجية، وفي صنعاء ومحيطها الواسع والمترع بالمخازن والأسلحة حرب جوية لا هوادة فيها، وفي مأرب مبادأة استراتيجية للقوات المشتركة ، وفي الحديدة والمكلا حرب مؤجلة قد يتم تجاوزها بسقوط صنعاء.
نحن هنا لا نتحدث عن افتراضات ذهنية ذات طابع رغائبي ، بل عن تراجيديا عسكرية مؤلمة يمكن إيقافها إذا ما امتلك صالح والحوثيون الشجاعة الأدبية والأخلاقية للتخلي الحر عن العناد المحكوم باستيهامات الماضي القريب، فالسؤال اليوم ليس بينهم وبين مخالفيهم من اليمنيين ، بل كونهم ارتضوا طواعية القيام بدور مريب لصالح مشاريع إقليمية سافرة العدوان تجاه العرب أجمعين، ذلك أن نظام طهران الحالي لم يساند الحوثيين بوصفهم مشروع عمل سياسي يماني محلي، بل بوصفهم مشروع إقلاق تام للاستقرار النسبي في المنطقة العربية بجملتها ، والخليج منها على وجه أخص.. أما صالح فإن اصطفافه المكشوف معهم أظهر ذلك الوجه المستتر لطاغية دمر مقدرات بلاده القانونية والمالية والإدارية والاستثمارية، ليتوج كل ذلك بقتل مكشوف لسكان المدن الكبرى وفي مقدمتها عدن وصنعاء .
الإيقاع الثابت برؤية عسكرية للقوات المشتركة من التحالف العربي والجيش الوطني والمقاومة، يفتح الباب لتقدم متسارع تجاه صنعاء ، وسوف يجد الحوثيون والصالحيون أنفسهم في حالة انكشاف مؤكد، ذلك أن صنعاء المليونية فرغت من سكانها المدنيين، وأصبحت تعوم في بحر من الظلام والدموع ، بل إن سكانها القادمين من ربوع اليمن الكبير ينتظرون ساعة الفرج والخلاص، ولسان حالهم يعيدنا إلى عدن التي عانت الأمرين، ثم تنفست الصعداء بوصول قوات التحالف العربي، وصمود المقاومة العدنية.

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى