تجاوز تحدي الانتشار الشيعي في عدد من دول الخليج مجرد الاختلاف الديني، منذ أن أدخلت إيران الموجات الطائفية في مشاريع سياسيّة وعسكرية تنافسية دفعتها لمحاولة خلق صدام بين الأنظمة الخليجية والمكونات الشيعية.
برز التحرك الإيراني لتحقيق ذلك التصادم جلياً في البحرين والكويت مؤخراً، بعد كشف متفجرات إيرانية وخلايا “إرهابية” أكثر من مرة، تدعمها طهران في كلا البلدين، على الرغم من نفي الأخيرة ومطالبتها بعدم الزج باسمها.
البحرين جزيرة صغيرة في الخليج العربي، وهو بلد فيه شريحة شيعيّة تديره طبقة حاكمة سنيّة، تحركت سريعاً وقررت سحب سفيرها لدى إيران، راشد الدوسري، واعتبار محمد رضا بابائي، القائم بأعمال سفارة إيران لديها، شخصاً غير مرغوب فيه وعليه مغادرة البلاد خلال 72 ساعة، وذلك بعد يوم واحد من اكتشاف خلية وصفتها بـ”الإرهابية” في المملكة.
ومنذ 2011 الذي شهد اندلاع معظم الثورات العربية، بالإضافة إلى الاحتجاجات البحرينية، وما رافقها من اضطرابات أمنية مثلت تحدياً كبيراً لدول مجلس التعاون الخليجي في ذلك الحين، رفعت دول الخليج من مستوى التحفز الأمني لمواجهة التهديدات الإيرانية التي تدعم زعزعة الاستقرار في الخليج.
ومع أنّ احتجاجات البحرين الشهيرة والمتجددة كل عام فشلت في تحقيق أي تغيير، إلا أن الدول الخليجية قرأت الاحتجاجات الشيعية فيها على أنها محاولة إيرانية لتنفيذ سياسة تصدير الثورة، عبر التمدد في الفراغات التي ولدتها أجواء الثورة في العالم العربي، وشهدت القطيف السعودية تحركات محدودة مماثلة، فيما تغيرت لغة الخطاب الديني الشيعي في الكويت.
– الكويت
تُظهر أحداث الكويت الأخيرة، وما عُرف بـ”خلية العبدلي”، أن الاستراتيجية التي تنتهجها إيران في الخليج تتجه نحو التحريض على النزاع المذهبي واستغلاله.
وتسببت الاتهامات الكويتية لإيران، بداية الشهر الماضي، بشأن وقوفها خلف “خلية العبدلي”، بأزمة دبلوماسية وتراشق في التصريحات بين البلدين، وعادت إلى الواجهة مؤخراً بعد أن ألقى الأمين العام للتحالف الإسلامي الوطني، حسين المعتوق (شيعي)، من فوق منبر مسجد الإمام الحسين بميدان حولي بالكويت، خطبة دافع فيها عن المتهمين بقضية التخابر مع إيران وحزب الله وحيازتهم ترسانة من الأسلحة والمتفجرات.
الخلية التي كان بحوزتها 19 ألف كغ ذخيرة متنوعة، و144 كغ متفجرات متنوعة من مادتي (TNTو PE4)، شديدتا الانفجار، ومواد أخرى، و65 سلاحاً متنوعاً، و204 قنابل يدوية، إضافةً إلى صواعق كهربائية، ارتقت اعترافات أفرادها إلى مستوى أزمة دبلوماسية وتراشق بالتصريحات بين الخارجيتين الكويتية والإيرانية، وانطلقت أصوات سياسية تطالب باستدعاء السفير، وأخرى تطالب بطرده من البلاد وقطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران.
فأعربت السفارة الإيرانية في الكويت عن استيائها الشديد “لزج اسم إيران في قضية داخلية ترتبط في أساسها بالكشف عن أسلحة وذخائر”، بعد أن قالت الكويت إن مسؤول الخلية اعترف أنها تنفذ أجندة إيرانية ويديرها حزب الله اللبناني، وأسندت النيابة العامة الكويتية لاحقاً الاتهام في القضية إلى 26 متهماً؛ 25 منهم يحملون الجنسية الكويتية وواحد إيراني.
ورفض عدد من النواب خطبة المعتوق، واعتبروا أنها تحمل “لغة الكراهية وتثير الفتنة وتزرع بذور الانشقاق في المجتمع الكويتي”، في حين قال النائب محمد الجبري: إن “محاولة إخراج قضية خلية العبدلي عن مسارها الطبيعي من خلال الترويج لقضايا مذهبية وطائفية ليست سوى مؤامرة تحاك ضد الكويت”.
ويبلغ عدد النوّاب الشيعة 17 نائباً يمثّلون شيعة الكويت، وتبلغ نسبتهم أقل من 30%، بحسب تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية عام 2006.
الجدير ذكره أن الموقع الجغرافيّ لدولة الكويت الصغيرة الحجم من حيث المساحة والسكّان (17.820كم مربع و3.3 ملايين نسمة) بين عواصم التأثير السياسيّ في إيران والعراق والسعوديّة، هو ما يضطرّها إلى المبادرة بتصريحات إعلامية أو مواقف سياسية مثيرة لحساب إحدى العواصم المحيطة من حين إلى آخر؛ كتصريح أمير الكويت، صباح الصباح، خلال زيارته لطهران في الثاني من يونيو/حزيران 2014 بأن خامنئي ليس مرشد إيران فقط بل هو مرشد المنطقة كلها، كما أن ظروف الموقع والحجم تجعل من المجتمع الكويتيّ أكثر تقبّلاً للتيّارات الفكريّة والسياسيّة الإقليميّة وأقلّ مقاومة لها.
– الصعود الشيعي
وفي الآونة الأخيرة، يبرز قلق خليجي كبير من صعود الهويّة الشيعيّة في المنطقة، وتواصل شيعة بلدان الخليج مع شيعة العراق وإيران.
ومن خلال الوقائع الميدانية والسياسية، يرى مراقبون أن الكويت قد تكون أقرب الدول الخليجية لطرد سفير طهران أيضاً، في خطوة قد تغير مجرى العلاقات الدبلوماسية بين الخليج وإيران المتدهورة بالأساس من جراء الرفض الخليجي للتدخل الإيراني في اليمن وسوريا وغيرها من الدول.
وفي محاولة للتخفيف من وطأة تدهور العلاقات، قال أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، قبل أيام في الأمم المتحدة: إن “خلاف دول الخليج مع إيران سياسي وليس مذهبياً، ولا يوجد صراع سني شيعي بل خلاف عربي مع إيران”.
وأضاف أمير قطر أن “إيران دولة جارة مهمة، وأن التعاون بينها وبين دولنا هي في مصلحة المنطقة، كما ندعو إلى علاقات الاحترام بين إيران ودول الخليج وعدم التدخل في شؤون الآخر”.