قال الدكتور على عبد العال، رئيس مجلس النواب، منذ ثلاثة أيام، أن مصر لن تتقدم إلا بالاهتمام بالصناعة، وتشجيع الصادرات.. كلام موجز ومهم، يلخص الحالة المصرية، التي يجب أن تنتقل فوراً لمرحلة الاهتمام بالصناعة كهدف استراتيجي، كلام لا يجب أن يوقف تحقيقه أية ظروف، وأعتقد أن «الصناعات الصغيرة» هي النموذج الأهم والضروري واللازم للتطبيق إذا أردنا أن نتحول للصناعة والإنتاج.
طبعاً كلام رئيس البرلمان مهم لأن مصر تحتاج لمشروع قومي صناعي كبير، وأعتقد أننا فى حاجة للاقتناع «بجد» بأهمية الصناعات الصغيرة، ويجب أن تدرك كل مؤسسات الدولة أن التحول الاقتصادي الأهم في الكثير من بلدان العالم، وأهمها الصين، بدأ بالصناعات الصغيرة والمتوسطة؟ في شبه القارة الصينية تعمل كل قرية فى صناعة واحدة، قد تكون صناعة المسامير، أو الصواميل، أو الصناعات التكميلية لمنتج كبير، وهذه الطريقة تحقق نظرية «الندرة النسبية» التي يُعرفها الاقتصاديون بأنها الوسيلة الأهم لتحقيق أكبر منفعة موجودة للمنتج بأرخص تكلفة في أقل زمن! فالدرس الصيني مهم، وهو النموذج الأمثل لنا، لأن ظروفنا متشابهة، خاصة الظروف الاجتماعية، مع الفارق في المساحة وعدد السكان، فإذا اعتبرنا مصر نموذجًا لولاية صينية، نستطيع تحقيق نجاح ملموس في إطار الصناعات الصغيرة!
ولأننا في بلد ذاكرته ضعيفة يجب أن نتذكر، ما يؤكد، أن هذا الوطن لن يصعد بدون عمل حقيقي، عمل فيه إنتاج، وليس بيع منتجات استهلاكية نشتريها من غيرنا، بمليارات الدولارات، حتى تدهورت قيمة العملة المصرية، لأننا نشترى، ولا نبيع لغيرنا، ولا نملك مقومات اقتصاد حقيقي، قائم على امتلاك سلعة إستراتيجية، نبيعها لنكسب، أو على أقل تقدير نستهلكها داخلياً دون الحاجة لشرائها من الخارج!
• ما رأيكم في مقارنة بسيطة مع كوريا الجنوبية، التي بدأنا معها صناعة السيارات في مطلع الستينيات، هم أنتجوا السيارة «هيونداى» ونحن قررنا تصنيع السيارة «رمسيس»، والسيارة «نصر» وبعد أكثر من خمسين عاماً، من هذه البداية المبشرة، اختفت «رمسيس» و«نصر» من شوارعنا، وأصبحت السيارة «هيونداى» تغزو العالم، وتسيطر على شوارع القاهرة!
• ما هو الفارق؟ لماذا فشلنا نحن.. ونجحوا هم؟ الموضوع بسيط.. في كوريا قرروا وضع إستراتيجية صارمة لا تقبل التغيير، قرروا الاعتماد على الصناعة كوسيلة عبور للمستقبل، من خلال مشروع صارم، لا يتأثر بتغيير حكومة، ولا يخضع لأهواء مسئول، وعملوا وأنتجوا، فأصبحوا يمتلكون مستوى مهارياً كبيراً في صناعة السيارات، أما نحن فقد تركنا العشوائية تسيطر على مساكننا، وتعليمنا، وحياتنا، فتوقفنا عن إنتاج «السيارات» في مصر وأصبحنا نستورد «التوك توك» من الهند!
• وأنا هنا لا أفضل العمل في الصناعات الثقيلة، فقط، كبداية تحول، فهي تحتاج لإمكانيات كبيرة، ولا يستطيع كل الشعب العمل بها، ولكنني أعود بكم للحديث عن الصناعات الصغيرة، كهدف قريب، يمكن أن يتحول إلى مشروعات صناعية كبيرة.. هل تريدون نماذج ناجحة في مصر للصناعات الصغيرة الجماعية التي يمكن تعميمها وتحويلها لصناعات كبيرة؟ النموذج موجود في قرية «الجراح» بمركز أجا بالدقهلية! قرية الجراح لمن لا يعرفها، هي القرية النموذجية الأهم في محافظة الدقهلية، لأنها نجحت في القضاء على البطالة تمامًا، فجميع أبناء القرية يعملون فى صناعة الزجاج، وتعمل النساء في زخرفتها، وتخصصت القرية في هذه المهنة، حتى تمكنت الورش الموجودة بها، من تشغيل الكبار والصغار، في مراحل التصنيع المختلفة، بل إنها نجحت في تشغيل بعض أبناء القرى المجاورة، في هذه المهنة، ونجحت أيضاً بعض الورش في تصدير المنتجات للخارج، وأسهمت في جلب عملة صعبة للبلاد.. والسؤال هو: لماذا لا تتدخل الدولة في تطوير عمل الورش هناك، وتحويلها إلى مصانع كبيرة، بتكلفة تصل إلى مليار جنيه، أو ما يوازى 60 مليون دولار، لن تضيع في الهواء، ولكنها ستحقق مئات الملايين من الدولارات خلال سنتين على الأكثر، لتتحول إلى صناعة عملاقة تحقق دخلًا ثابتا، للقرية، والمحافظة، والدولة!
• وبمناسبة الزجاج.. هل تعرف أن منطقة البحر الأحمر، ووسط وجنوب سيناء يوجد فيها «كنز»؟ نعم كنز طبيعي اسمه رمال الصحراء! لأن مصر واحدة من أهم دول العالم، في امتلاك الرمال البيضاء وبكثافة عالية، وهذا النوع من الرمال يتم استعماله في تصنيع الزجاج والكريستال، وللأسف نحن نقوم بتصدير هذه الرمال البيضاء إلى عدد من البلدان الصناعية في أوروبا وآسيا، خاصة، إيطاليا والصين، بسعر 20 دولاراً للطن، وتقوم هذه الدول بتصنيعه، وإعادته لنا زجاجًا فاخرًا، بسعر يتراوح بين 100 و200 دولار للطن الواحد! بل يتزايد السعر إذا تم تحويله إلى رقائق إلكترونية! فلماذا لا نقوم بتحويل هذه الرمال إلى ذهب، من خلال إنشاء مصانع عملاقة، تقوم بتحويل هذا الكنز المجاني المتواجد منذ آلاف السنين في صحرائنا الشرقية إلى زجاج مصري فاخر!