نون والقلم

محمد خليفة يكتب: روح الآلهة تٌعيد الحيَاة لِجَلالة المَلِك!

احتفل محرك البحث «جوجل» خلال الأيام القليلة الماضية بمرور 65 عاماً علي اكتشاف روح الآلهة التي أعادت الحياة للملك «خوفو» والذي كان يمتلك من السلطة والقوة ما يجعلهٌ الفرعون الأوحد الذي دارت الخلافات حول سفينتهِ المعروفة «بمركب الشمس».

فقد أظهرت النقوش المدونة على جدران المعابد أنَّ المصري القديم استخدم المراكب أيضًا في النقل المائي عبر نهر النيل  التي كانت تنقل الجرانيت من محاجر أسوان‏،‏ أو الألباستر من محاجر«حتنوب» بمصر الوسطى‏،‏ والتي تقع إلى الشرق من مدينة تل العمارنة الأثرية وتضم أشهر محاجر الألباستر في مصر القديمة حيث يرجع أقدم استخدام لها إلى عصر الأسرة الرابعة وكذلك طوال الأسرتين الخامسة والسادسة.

وقد استخدمت في فترة عصر الدولة الحديثة حتى العصر الروماني، ومن أهم الأمثلة على بقايا أثرية صنعت من ألباستر حتنوب هي مقصورة أمنحٌتب الأول في الكرنك وقد استخدمت الملكة حتشبسوت محاجر حتنوب في عمل الدرج الموجود في معبدها في الدير البحري،  وكانت المراكب الإلهية تنقل الحجر الجيري من طره‏، و المسلات من محاجر أسوان إلى معابد الأقصر والكرنك‏، كما كانت تقوم بالنقل عن طريق البحر لإحضار الذهب من بلاد «بونت» التي تطل علي البحر الأحمر وفي أغلب الظن  أنّ هذه البلاد  تقع في سواحل شمال غرب الصومال وقد سجلت الملكة الفرعونية حتشبسوت بعثتها التجارية إليها على جدران معبدها بالدير البحري بالأقصر .

وكان المصريون القدماء علي صلة تجارية بها حيث كانوا يتبادلون السلع، فكانوا يجلبون منها الذهب والبخور للمعابد والعاج والأبنوس واللبان والنسانيس وحيوانات كثيرة كالنمور والقرود، وأشجار نادرة.

وهكذا كان دور المراكب والسفن في عصور الملوك والأمراء في الدولة المصرية القديمة . أمّا السفينة التي كان يستقلها الملك  «خوفو» كانت لأغراض الترفيه وأداء الطقوس الدينية، وكانت تستخدم أيضاً لنقل البضائع فقد كانت المراكب جزء لا يتجزأ من الحياة المصرية القديمة،  وكان للملك «خوفو» مركبتان منذ اكتشافهما، لم تكٌف  أيادي الباحثين عن إثارة الجدل بين العلماء والمتخصصين في توصيفهما، هل هما مركبتان جنائزيتان لهما أدوار وظيفية حقيقية أم مركبتان للشمس أي رمزيتان فقط؟ ويرجح فريق من علماء الآثار أنهما مراكب جنائزية بسبب حجمهما الكبير، إذ إن مراكب الشمس على الأرجح مراكب صغيرة رمزية.

وكانت المراكب الجنائزية‏ تُستخدم لنقل مومياء الملك لزيارة الأماكن المقدسة الخاصة بالإله أوزوريس، ومنها أبيدوس في الجنوب وبوتو في الشمال‏،‏ هذا بالإضافة إلى أن هذا النوع من المراكب كان يُستعمل أيضًا في نقل جثمان الملك من قصره الذي يقيم فيه إلى الجبانة حيث يوجد هرمه‏. بينما يرجح الفريق الثاني أنهما ليستا جنائزيتين، بل هما مركبتان شمسيتان يستعملهما الإله رع «إله الشمس» مع الملك في رحلة الليل والنهار، تساعده النجوم في الإبحار والتجديف، حيث يقوم الإله في تلك الرحلة بتنظيف العالم من الأرواح الشريرة‏، وبالتالي يقدسه الشعب ويقدم له القرابين شكرًا وعرفانًا.

ويؤيد هذا الرأي عالم الآثار المعروف  الصديق الدكتور زاهي حواس؛ إذ أشار في بحثهِ «آثار وأسرار مراكب الشمس» إلى أنَّ العٌلماء احتاروا في تفسير وظيفة مركب الملك خوفو، نظرًا لأنهم يدرسون المركب كأثر قائم بذاته من الناحية الدينية فقط. ويشدد حواس على أنه من الخطأ دراسة أي عنصر معماري،‏ أو قطعة أثرية في أي موقع دون دراسة ما حولها من آثار ومعابد وأهرامات ومناظر ممثلة بالمعبد والتماثيل وغيرها. ويذهب حواس إلى أنهما ليستا جنائزيتين، بل هما مركبتان شمسيتان‏، وأن بعض العلماء ذكروا أنهما مركبتان جنائزيتان دون أدلة موضوعية سليمة،‏ ويشدد على أن كمال الملاخ مكتشف  روح الآلهة كان مصيبًا، من وجهة نظره، وذلك على الرغم من أنه لم ينشر أدلة علمية تدعم رأيه حين أطلق عليها‏ «مركب شمس‏» بعد كشفه لها في ‏25‏ مايو‏ 1954.

وقد يظن كثيرون أن مراكب الشمس تقتصر على مركبي الملك خوفو، ولكن الحقيقة أنه جرى الكشف عن العشرات منها في مصر، في أماكن متفرقة، أشهرها تلك المراكب الشمسية الملكية التي عُثر عليها في أبيدوس عام 2000م، وقد جرى التعرف عليها لأول مرة عام 1988 بواسطة بعثة متحف جامعة بنسلفانيا. كما تعد مركب الملك «دن» أكثر الفراعنة القدامى آثارًا،من أهم مراكب الشمس المكتشفة حتى الآن، وقد تم اكتشافها عام 2012م في منطقة أبو رواش عن طريق المعهد الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة. ويرجع تاريخ مركب «دن» لأكثر من 5 آلاف عام، ويتكون من 11 قطعة خشبية بطول ستة أمتار وعرض متر ونصف. هذا بالإضافة إلى مراكب الأسرة الأولى التي عُثر عليها بسقارة، ومراكب الشمس الخاصة بالملك «أمنمحات الثالث وسنوسرت الثاني» في دهشور من أهم مراكب الشمس المكتشفة حتى الآن، وقد تم اكتشافها عام 2012 في منطقة أبو رواش عن طريق المعهد الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة.

ولاكتشاف مراكب روح الآلهة قصة مثيرة، إذ كان عالِم الآثار المصري كمال الملاخ قد عثر عام 1954، عن طريق الصدفة، على حفرتين مسقوفتين عند القاعدة الجنوبية لهرم خوفو، أثارتا فضوله، هو وزميله الأثري المصري محمد نور، وبالحفر عثرا في قاع إحداهما على مركبة مفككة مكتملة الأجزاء مصنوعة من خشب الأرز، مع خمسة أزواج من المجاديف واثنتين من الزعانف، وقد أعيد تركيب المركبة، إذ بلغ طولها بعد اكتمال بنائها 42 مترًا. ..ومن المعروف أنّ مراكب الآلهة هي مراكب جنائزية تستخدم لذهاب الملك خوفو لاستعادة الحياة المقدسة بحسب عقيدة المصريين القدماء.

رحم الله عالم الآثار المصري كمال الملاخ الذي يٌعد صاحب الاكتشاف الفريد للملك خوفو الفرعون المصري القديم الذي حكم في عهد الأسرة الرابعة من عصر الدولة القديمة حوالي 2580 قبل الميلاد  وهو ثاني ملوك الأسرة الرابعة وصاحب الهرم الأكبر الذي يقع علي هضبة الجيزة وهو أحد عجائب الدنيا السبع في العالم القديم.

 

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا 

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى