نون والقلم

عبد العزيز النحاس يكتب: الأهلي.. وقوة مصر الناعمة

القوة الناعمة باتت أحد مكونات القوة التي تمتلكها الدول وتعمل على تنميتها واستخدامها كأدوات فاعلة في المجتمعات، وأيضاً لاستخدامها في التأثير على محيطها الإقليمي والدولي.. وسبق الحديث في هذا الشأن في أكثر من مجال خاصة أن مصر تمتلك قوة ناعمة هائلة تستمدها من عراقة تاريخها وحضارتها وموقعها الجغرافي، امتداداً إلى مناخها وفنونها وآدابها وأزهرها الشريف، ثم رياضتها وصولاً إلى محمد صلاح في ملاعب أوروبا الآن.

 من هذا المنظور أتوقف اليوم أمام إحدى المؤسسات المصرية المهمة والتاريخية التي شكلت جزءاً من تاريخ مصر المعاصر، ومن قوة مصر الناعمة على مدار أكثر من قرن من الزمان، وهى النادي الأهلي باعتباره مؤسسة وطنية قبل أن يكون نادياً لكرة القدم نتفق أو نختلف حول أدائه في بعض الأوقات.. فهذا أمر يقدره ويحدده الفنيون ويستطيع تقييمه وتحليله الزملاء من النقاد الرياضيين، وبهذه المناسبة أتوقف أمام تهنئة واجبة، وتحية لكل القائمين على نادي الزمالك لفوزه الأخير وحصوله على كأس الكونفدرالية، وإسعاد المصريين باعتبار أنه كان يمثل الدولة المصرية ويضيف لرصدها.

 إذن الحديث عن الأهلي المؤسسة الوطنية المصرية الذي تجاوز عمره الآن مائة عام- أي قبل نشأة كثير من الدول- أي من منظور أهمية هذه المؤسسة في تاريخ مصر منذ عام 1907، وهى الفترة التي شهدت زخماً ثورياً للحركة الوطنية المصرية في مواجهة الاحتلال الإنجليزي، وعمدت إلى تمصير كل مؤسسات الدولة في مواجهة الاحتلال الإنجليزي، وجاء إنشاء هذا الكيان لمجابهة نادي السكة الحديد الذي أسسه الإنجليز عام 1903 كان أعضاؤه من البريطانيين، لذلك جاء اسم النادي الأصلي بمغزى وطني، أي نادي أهل مصر، وعمدت النخبة الوطنية التي شكلت الجمعية العمومية في أول اجتماع لها في 18 يوليو 1907 أن يكون رئيسها الوطني سعد زغلول وزير المعارف في هذا الوقت، كما قررت أن يكون زعيم الأمة رئيساً شرفياً لهذا الكيان مدى الحياة.

ولأن الشعور الوطني الجارف في هذا الوقت كان مسانداً لكل المؤسسات الوطنية تحول النادي الأهلي إلى أيقونة في قلوب كل المصريين إلى حد أن الملك فؤاد في عام 1929 قرر أن يكون النادي الأهلي تحت رعايته لإيمانه بتأثير النادي الأهلي وأعضائه في الحياة العامة المصرية، وارتباط كثير من مواطني الدول العربية بهذا الكيان.. وأصبح راسخاً في أذهان المصريين أهمية هذه المؤسسة في تربية النشء وإعداد المواهب والكوادر في كل المجالات الرياضية ما يسهم في رفع اسم مصر إقليمياً ودولياً في هذه المجالات.. صحيح أن كرة القدم تتمتع بشعبية جارفة، وصحيح أن الأهلي أبدع فيها، وحصد عشرات البطولات محلياً وقارياً، وأصبح النادي الأول إفريقيا وعلى مستوى الشرق الأوسط، أي نادي القرن.. لكن الأهم أنه كان سفيراً فوق العادة لرفع اسم مصر في كل المحافل الدولية، ولمسنا حتى وقت قريب أن زيارة فرق الأهلي إلى أي دولة شقيقة كانت تمثل حدثاً فريداً تنتظره الشعوب الشقيقة بشغف.

الملاحظ أن هناك محاولات للنيل من هذه المؤسسة، وتعطيل سيرتها، وهذا الشعور الذي تسرب إلى نفوس كثير من المصريين منذ حدوث مأساة إستاد بورسعيد، ثم التضييق على جماهير الأهلي بشكل لافت خاصة في مبارياته الإفريقية، ومؤخراً صناعة أحد الأندية بالمال؛ لكي يناوئ الأهلي، ومنذ أيام تفجرت أزمة مباريات الدوري المتبقية وما زال السجال جارياً بين اتحاد الكرة والنادي الأهلي.. وجميع الإجراءات تأتى بمبررات وهمية مثل الادعاء بالاستثمار الرياضي وغيره من الأمور الوهمية، لأننا نعرف أن الاستثمار الرياضي له قواعده، وعلى رأسها تطبيق الاحتراف بالكامل، وعلينا أن ننظر إلى الدول الأوروبية التي أقامت استثماراً رياضياً حقيقياً بعيداً عن المجاملات والتدخلات، وأصبحت أنديتها بمليارات الدولارات، كما أن أرباح النادي الواحد مئات الملايين من الدولارات سنوياً.. وهو أمر يمكن تطبيقه في مصر شريطة تحويل مسابقة الدوري أو الكأس، أو كليهما إلى مسابقة محترفين بقواعدها المعروفة دولياً لنتحول إلى الاستثمار الرياضي الحقيقي الذي يمكن أن يشكل دخلاً قومياً إضافيا، خاصة أن مصر تجاوز تعدادها مائة مليون نسمة ما يسهم في نجاح التجربة والحفاظ على هذه المؤسسات الوطنية التي ارتبطت بوجدان وضمير هذا الشعب، وتشكل أحد روافد القوة الناعمة لهذا الوطن، وأمامنا نموذج لشاب واحد نجح في هذا المجال بعد أن انتقل للعب في دوري المحترمين في بريطانيا، وتتمناه كل الدوريات الأوروبية وهو محمد صلاح الذي تحول إلى أيقونة للمصريين والعرب ويتابعونه بشغف وفخر.

نائب رئيس الوفد

للمزيد من مقالات الكاتب أضغط هنا

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى