تستمر أزمات منطقة الشرق الأوسط هي العنوان الأبرز لكل الأحداث العالمية، ربما منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية في منتصف القرن الماضي، ولا تكاد المنطقة تنتهي من أزمة حتى تنفجر أخرى أكبر وأعمق.. والملاحظ أن العالم المشترك فى كل أزمات الشرق الأوسط هي الولايات المتحدة الأمريكية، ومن خلفها بريطانيا صاحبة التاريخ العريق في الاستعمار سابقاً شرقاً وغرباً حتى سارت الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس لكثرة الدول التي استعمرتها في كل القارات، والآن الولايات المتحدة تحل محلها لكن بمنهج جديد.
أزمة الخليج الآنية هي حلقة في سلسلة حلقات للمخططات الأمريكية في المنطقة، استغلالاً لأطماع ومشاكل النظام الإيراني في دول الخليج واليمن وسوريا ولعل ما يحدث في اليمن تحديداً يكف عن الوجه الحقيقي للنظام الإيراني، ومع كل هذا يبقى انطلاق شرارة الحرب قراراً أمريكياً خالصاً.
ما يحدث من تسارع للأحداث في منطقة الخليج العربي، وتحرك القوات الأمريكية نحوها، ثم قرار السعودية والإمارات بالموافقة على إعادة انتشار القوات الأمريكية فى دول الخليج ومياهها الإقليمية يمثل تصعيداً جديداً في هذه المنطقة المستقرة أمنياً واقتصادياً بعد أن أفلتت بسبب ظروفها الاقتصادية مما سمى بالربيع العربي.. وجاء ـ خريفاً ـ على معظم الدول العربية ومازالت تعانى منه حتى اللحظة سوريا وليبيا واليمن والسودان، والواضح أن دول الخليج وعت الدرس واتخذت سلسلة إجراءات تجاه مواطنيها أدت إلى الاستقرار في كل دول الخليج.
صحيح أن البرنامج النووي الإيراني يمثل تهديداً لدول الخليج في ظل توتر العلاقات وإصرار إيران على العبث في معظم دول الخليج بسبب اللعب على وتر المذاهب الدينية، كما أنه يمثل تهديداً مباشراً لإسرائيل، وصحيح أيضاً أهمية الضغط على إيران لإثنائها عن طموحها النووي والعودة إلى طاولة المفاوضات وهناك طرق ووسائل كثيرة بديلة عن الحرب، وعلى دول الخليج أن تعي دروس الماضي القريب جيداً حتى لا تسقط في فخ الصفقات الأمريكية، خاصة وأن الجميع يعلم أن ترامب تحديداً لا يعرف إلا لغة الصفقات وسبق وأعلنها صراحة أكثر من مرة أنه يطمع في أموال الخليج، وقال إن على السعودية أن تدفع الأموال لحمايتها!!
وإذا عادت دول الخليج إلى الماضي القريب سواء في الحرب الإيرانية العراقية أو غزو العراق للكويت بإيعاز من الولايات المتحدة وعلى لسان مادلين أولبرايت تحديداً لصدام حسين، وما تبعها من أحداث انتهت بالحصول على ثروة العراق والكويت ودخول الولايات المتحدة المنطقة والاستقرار بها حتى الآن.. فما بالنا بانفجار حرب جديدة بين دول الخليج وإيران وتأثيرها على دول الخليج اقتصادياً وأمنياً.. والأخطر نتائج هذه الحرب على المواطن الخليجي اقتصادياً بعد أن شب ونشأ على الحياة الرغدة المستقرة ولم يعرف المعاناة سواء على مستوى الدولة وخدماتها أو على المستوى الشخصي، بما يمثل تحدياً جديداً لنظم الحكم فى هذه الدول أمام شعوبهم.
على جانب آخر لا يجب غض الطرف عن دور إسرائيل، ومصلحتها في هذه الحرب، وتأجيج الصراع والتوتر القائم بين إيران ودول الخليج، وكلنا يعلم الدور الإسرائيلي وتأثيره على القرار الأمريكي.. وأيضاً ارتباط هذا التوتر بما يسمى صفقة القرن التي تحاول الإدارة الأمريكية تمريرها بعد أن تأجلت أكثر من مرة.. كل هذه التساؤلات وغيرها تطرح نفسها الآن، وتحتاج إلى حكمة قادة دول الخليج في هذا الوقت الدقيق خاصة وأنهم يعلمون أكثر منا مقاصد ترامب والخزانة الأمريكية.. أيضاً يحتاج الأمر وجود الدور المصري بكل ما يملكه من خبرات تاريخية وسياسية حتى لا ينزلق الأشقاء في مستنقع الحروب والمعاناة الاقتصادية والأمنية.