هل يمكن لمواقع التواصل الاجتماعي، بما تتيحه للمستخدم من إمكانية التغريد الحر، أن تعكس المزاج العام لأصحاب الحسابات فيها، فتشي بطبائعهم وحقيقة أنفسهم؟
سؤالٌ يفرضه الانتشار الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي عربياً، وتعكسه مليونيات الحسابات الحقيقية والوهمية التي تُخول أصحابها قول ما يشاؤون وقت ما يشاؤون؛ بحيث إنّا لو أجرينا تحليل مضمون لتغريدات حساب ما، لخرجنا بانطباع نفسي عن صاحبه.
لكن أستاذ علم النفس والتربية الخاصة المشارك في جامعة البلقاء التطبيقية د. مصطفى القمش، يشير إلى أن “المعايير العالمية في علم النفس تؤكد أنه للحكم على سلوك ما، لا بد من توفر ثلاثة معايير؛ هي الشدة (سوي أو شاذ)، والتكرار، والمدة الزمنية”.
ويوضح القمش، أن “علماء النفس رهنوا دقة الحكم على مزاج شخص من خلال حسابه على فيسبوك أو تويتر برصد تغريداته لمدة لا تقل عن 6 أشهر”.
وقال: إن “تحليل شخصية أي إنسان من خلال حسابه يؤخذ بالمجمل العام”، مبيناً أننا “لا نستطيع الحكم بدقة على سلوك ما إلا إذا كان هنالك استمرارية ونسبة وتناسب”.
وأضاف: “إذا كانت التعليقات على فيسبوك –مثلاً- سوداوية لمدة 6 أشهر؛ فصاحبها اكتئابي أو تشاؤمي، وإذا كانت مرحة للمدة نفسها فصاحبها مرح، أما إذا كانت مختلطة فنأخذ نسبة وتناسباً للحكم على المزاج العام لصاحب الحساب”. غير أنه شدد على أن “إقسام الله تعالى بالنفس اللوامة في القرآن الكريم، والله لا يقسم إلا بعظيم، دليل على أن تركيبة النفس معقدة؛ ومن ثم فالحكم عليها ليس سهلاً عند العلماء”.
لكنْ، إذا كانت التغريدات في وسائل التواصل الاجتماعي مرآة تعكس الصورة الداخلية لصاحب الحساب، وهو أمر لا يفضل الناس إطلاع غيرهم عليهم، فلماذا يلجأ الناس إلى التغريد أصلاً؟
يعتقد أستاذ علم الاجتماع المشارك في جامعة مؤتة د. حسين محادين أن “وجود وسائل الاتصال اللحظي من حيث التفاعل، وتسوُّد ثقافة الصورة، قد ساهم في جعل الإنسان الفرد أكثر صراحة وجرأة على بث مكنوناته عبر هذه الوسائل”.
وبيَّن أنه “من منظور علم النفس الاجتماعي يعيش الإنسان الفرد الكثير من الإحباطات والقلق والأفراح، لكنها حبيسة بداخله، وبحدوده الذاتية إن لم يفصح عنها، أو يترجمها سلوكاً ظاهراً”.
ولفت إلى أنه “بعيداً عن الأحكام التقييمية لجودة ما يُنشر، فإن أي شخص يمارس حريته التي افتقدها في الحياة السياسية والاجتماعية قبلاً، ولا سيما بعد أن وجد ضالته في هذه الوسائل العابرة للجغرافيا والمجتمعات واللغات، المُطلَقة الحرية، في توفير سبل التعبير المختلفة لديه”. ويؤكد أن “إمكانية بث الكثير من الآراء الخلافية بِحُرية مطلقة، عبر حسابات وهمية، جعل منسوب الحرية أعلى، والتحاور مع الطروحات أوسع”.
ويستدرك محادين بأن الأهم أن “إطلاق هذه الآراء الخلافية لم يعد يأبه للتفسير المُقدَّس للأشياء، أو السلوك المدنس حسب رأي الأولين”. ويرى “أننا أمام واقع بوسع أي منا أن يكون شريكاً حقيقياً في تشكيله، دون الاهتمام بآراء المتلقي التي كانت قائمة على مهاجمة صاحب الفكر أكثر من مناقشة الفكر ذاته، وهذه سمة إضافية لم تكن موجودة، والسبب أننا لم نعد نعرف صاحب الفكرة”. “فأصبحت الفكرة مشاعاً كونياً للبشرية، وبغض النظر عن مصدرها جغرافياً”، يتابع محادين.
وفي سؤال ، عدداً من المشتركين في خدمات “فيسبوك” و”تويتر” عن الغاية من افتتاح حساب فيهما، وعما يكتبون فيهما من خصوصيات، قالت الطالبة نيفين عقل (20 عاماً) إنها تريد أن تكون جزءاً من هذا العالم الافتراضي ككل الناس؛ بأن تتواصل مع صديقاتها إلكترونياً، وتتبادل معهم المُلح والأخبار.
في حين أن عادل سلامة (34 عاماً) يؤكد ،أن له دافعاً واحداً هو “متابعة حسابات المفكرين والعلماء، والاستفادة مما ينثرونه من حكم وآراء ومناقشات، مشيراً إلى أنه يعمد إلى “أرشفة ما يروقه على ملف word، وإعادة نشر ما يعجبه على صفحته منسوباً لصاحبه؛ لينتفع بها أصدقاؤه”.
أما خالد جميل (59 عاماً) فبين أنه يتواصل مع أبنائه المغتربين على “فيسبوك” ومع أحفاده، مضيفاً أن وسائل التواصل الاجتماعي تتيح له تبادل الصور معهم، سواء الحية المباشرة أم الفوتوغرافية، “وهو الأمر المتعذر تكنولوجياً في وسائل الاتصال اللاسلكي”.